استخدم البشر العديد من الوسائل المختلفة؛ لتوثيق تاريخ أحوالهم وعاداتهم وحضاراتهم وفنونهم وحروبهم ومعتقداتهم وحياتهم في المجمل العام، وقد تطورت تلك العملية التوثيقية من النقش والرسم على الصخور والجدران مثلًا فنقلت حضارات العالم المختلفة ومعتقداته عبر المخطوطات على الجلود والألواح الخشبية إلى أن تم اكتشاف الورق؛ فكان هو المصدر المعتمد والوحيد للتوثيق عبر تاريخ امتد لمئات السنين، واستمر الورق محافظًا على مكانته الكبيرة حتى أواخر القرن الماضي إذ ظهر الحاسب الآلي، وتطور عبر أكثر من خمسين عامًا واستمر وهو يتغلغل في كل مفاصل الحياة تقريبًا، ومعه تطورت كل العلوم تبعًا لتطوره وشيئًا فشيئًا بدأ الاعتماد على الحاسب الآلي يزداد ويتطور.
واقعًا تحول الفكر الإنساني نحو أسلوب النمط الإلكتروني في الحياة بكافة صورها وأشكالها ولن أطيل في السرد والشرح والإسهاب كعادتي، فمثلاً هذا المقال كتبته على برنامج “معالج النصوص” في “الحاسب الآلي” وأرسلته عبر “وسيلة إلكترونية” وتم نشره عبر “جريدة إلكترونية” ويتم قراءته الآن عبر “جهاز إلكتروني”، وأتمنى أن يحصل على عدد لا بأس به من “القراءة الإلكترونية” وأن يتم التعليق عليه عبر “التعليقات الإلكترونية”، قد لا أحمل قلمًا ولكني أعرف كيف أكتب وأغرد وأعبر وأنجز وقد لا أمتطي ساعةً لكني يجب أن أعرف أهمية الوقت وأستفيد منه، فعليًّا لم يتم استخدام القلم والورق نهائيًا في أي مرحلة من مراحل هذا المقال لذلك فهو “إلكتروني” حتى الثمالة وبامتياز.
واقع الأمر أن الأعمال الإلكترونية في العقد الأخير باتت تمثل النمط الاجتماعي السائد، وأصبحت العلاقات بشكل عام تعتمد على تقنية المعلومات والاتصال المعلوماتي في الجوانب الإدارية والخدماتية والاقتصادية والثقافية والمعرفية في تكامل واضح بين مكونات المجتمعات المختلفة.
بات واضحًا أن “ثقافة الورق” في تسيير الأعمال وإنجازها بدأت تتهاوى كثيرًا وخاصةً في العقد الأخير من هذا القرن وحل محلها وباقتدار “النمط الإلكتروني” والأسلوب التقني في الإنجاز.
هل تعلم أن المملكة تأتي في المركز “الخامس” عالميًّا بين عشر دول رائدة في استخدام “الخدمات الحكومية الرقمية”، فقد أوضحت شركة “إكسنتشر” العالمية المتخصصة في الاستشارات الإدارية والخدمات التقنية التي قامت بإجراء دراسة شملت 5000 شخص في عشر دول من التي تعتبر رائدةً في تقديم تلك الخدمات، وأوضحت تلك الدراسة أنه تم قياس الخدمات الحكومية الرقمية في الدول العشر وفق ثلاثة معايير هي تجربة تقديم الخدمات للمواطنين، وشعور المواطن بالرضا، واكتمال منظومة الخدمات.
(الزمن – الوقت – المال) هي العناصر الأكثر تأثيرًا وحسمًا في اتخاذ القرارات وفي المعاملات، وفي سرعة الإنجاز في تناغم وتكامل بين هذه العناصر الثلاثة.
البنوك على سبيل المثال لا الحصر كانت تُعاني من عوائق كُثر ومشاكل عويصة ومتنوعة، فمثلاً كان تكدس العملاء في الفروع والحاجة الدائمة للتوظيف والكاهل المادي الضخم يمثل أبرز ما عانت منه على الرغم أنها كانت تستخدم الأنظمة الحاسوبية في نظامها الداخلي لإنجاز المعاملات البنكية المختلفة، ولكن مع بدأ تطبيقها تم استخدام أنظمة الخدمات البنكية الإلكترونية (E-Banking Services) والذي تمثل أحد منتجات ما يُسمى بالتجارة الإلكترونية (electronic commerce) بشكل تفاعلي مباشر مع عملائها استفادت وبشكل واضح وأصبحت السرعة والدقة والموثوقية هي السمة السائدة بينها وبين عملائها.
أنظمة الأعمال الإلكترونية (E-Business) في الإدارة والاقتصاد هي مزيج متكامل ومعقد من عمليات تبادل ضخمة من “المعلومات والبيانات” كالسلع والمنتجات والخدمات والأموال والمبيعات والتسويق والإعلانات التجارية، وأنظمة المخازن والمستودعات، والأنظمة المالية والمشتريات والتي تخدم الأفراد – المؤسسات – الحكومات – الدول، للحصول على المنتجات – السلع – الخدمات بشكل سلس ومرن و سريع.
وكل ما سبق وما لم يرد ذكره يندرج تحت بند مفهوم “البيانات” التي يتم التعامل مع “محتواها” والاستفادة منها عبر ما يسمى “بالأعمال الإلكترونية”، فمثلاً في مقدورك أن تشتري ما تحتاج وأنت مستلقٍ في بيتك، وتبحر في عالم السلع لتنتقي سيارتك مثلاً وبمقدورك أيضًا أن تقارن بين الأسعار، وتستطيع القيام بتحويل القيمة المالية إلى الجهة التي تعرض بضاعتها عن طريق الإنترنت أيضًا، ليصل غرضك إلى عنوانك الشخصي خلال فترة زمنية محددة.
في حقيقة الأمر أنه لا يوجد فارق بين العالم الرقمي “الإلكتروني” – المحسوس – “العالم “الورقي” – الملموس – بالمفهوم “التقليدي العام”، ففي العالم الإلكتروني مثلاً تتحول البضائع ومعها المنتجون والموزعون والبائعون والمستهلكون إلى بيانات “رقمية” في الإنترنت، ويجري التواصل عبر الإنترنت (بديلًا عمّا كان سائدًا سابقًا أي التواصل شخصيًّا وجهًا لوجه). وتتحول البيانات التجارية التي كانت “ورقية” إلى بيانات “رقمية” يجري تبادلها بين البائعين والزبائن والمزودين وأصحاب الأعمال. وتنتقل العوائد المادية كذلك “رقميًّا” من المخازن إلى شبكات البنوك، ومن ثَم إلى المكتب الرئيسي للشركة والعكس بالعكس.
تختصر عمليات التبادل التجاري الإلكترونية الزمن والوقت والمال، فيستطيع المستهلك الحصول على سلعته المطلوبة من المنتج مباشرة، دون المرور بسلسلة طويلة من الوسطاء أو الإجراءات المعقدة والمرهقة كما في حالات البيع التقليدية، وهذا غالبًا ما يؤدي إلى رفع تكلفة السلعة قبل وصولها للمستفيد واستغراق وقت أطول لوصول السلعة.
كذلك يمثل التوجه نحو الحكومة الإلكترونية (E-Government) مثلًا لبنةً أساسيةً للانطلاق نحو المجتمع المعرفي، ذلك بسبب أن الأسلوب الإداري والمالي فيه يخرج من دائرة “الهم اليومي اليدوي” المرهق إلى الاستفادة “جهد الحاسب الآلي”، في حين الجهد البشري ينصب نحو “الإبداع” و”الابتكار” و”الاستثمار في بناء الإنسان” ويعمل على إيجاد صيغ علائقية جديدة وأفكار مبتكرة وجديدة، وفي نهاية الأمر يتحول إلى “نتاج معرفي” و”حلول” للعديد من “المشاكل” وتذليل “الصعوبات” الانطلاق نحو “التطوير” و”التطور”، وهذا يعني أن العمل في إطار “الحكومة الإلكترونية” يُشكل محرِّضًا وموجِّهًا لعملية “الانتقال السلس” إلى “مجتمع المعرفة”.
كما أن هذا التوجه يقوم مثلًا بتطوير العلاقة بين المواطن والحكومة وتوفير الخدمات بشكل دائم وعلى مدار الساعة وفي أي وقت، كما أنه يقوم أيضًا بإعادة صياغة العلاقة بين الموظف والعمل، والتخلص من “الرشاوي” و”الواسطة” و”المحسوبية” وابراز الجوانب الإيجابية من “المركزية”، كما أنه يساهم في التخلص من الجوانب السلبية “لـسلطة” اتخاذ القرارات.
النتيجة النهائية هي تحويل العلاقة إلى “علاقة منهجية” مما يتيح “الاستقرار” النفسي المتبادل بين الطرفين، كما أنه يؤسس لثقافة المجتمعات بشكل جديد ومختلف ومبسط ويساهم في تداول مفهوم “الخدمات الإلكترونية” ليصل إلى ذهنية الأفراد والمؤسسات بوصفه حالة “نظرية” اقترنت بمفهوم “الأتمتة أو المكننة أو الميكنة أو الحوسبة” – سمها ما شئت.
يتبع…
يعطيك العافية
مقال يحكي الواقع
ونتطور منك المزيد ??
كتابه متميزه جدآ ومعلوماتيه قيمه
نسأل الله لك التوفيق