مرسى الكلمة
جاء مقال معالي وزير الخارجية عادل الجبير في النيويورك تايمز في وقته تمامًا؛ ليضع الصورة الفعلية والحقيقية للدولة الفارسية في مكانها الصحيح. ولا شك أنه مفيد جدًا لأولئك الباحثين عن الحقيقة المجردة؛ لأنه يستند على دلائل وليس مجرد حديث يُبنى على أوهام هنا أو هناك. كما أنه يعتبر ردًا على مقال وزير الخارجية الإيراني الذي نشره في نفس الصحيفة قبل عدة أيام. تحدث المقال عن عدة نقاط. والحقيقة أن ردود الفعل حول اللقاء كان مثيرًا، فقد انقسم المشاركون إلى ثلاث عينات رئيسة. الأولى وهم المؤيدون لما طرحه كاتب المقال وهم المكسب الحقيقي والفعلي للكتابة. الثانية وهم الرافضون لفكرة الكاتب والمعترضون على ما طرحه وهؤلاء نعرف من يكونون؟ وماذا يريدون؟ ولماذا يكتبون بهذا الشكل؟! وليس لهم إلا الردود الحقيقية التي ستؤثر عليهم عاجلًا أو آجلًا فالحقيقة هي صاحبة الصوت الأعلى والأقوى والأصدق والأكثر تأثيرًا. الثالثة وهي الأهم من وجهة نظري هي من تلك الفئة التي تُعاني من خلط في بعض الأفكار والأمور مما جعلها تساوي بين الجلاد والضحية وتستند طيلة الوقت على المثل الغربي القائل “Pot calling kettle black” وأقرب مثل عربي يجاريه في المعنى هو “رمتني بدائها وانسلت”، أو المثل الشعبي “اللي بيته من قزاز لا يرمي الناس بالحجارة”. هذه العينة من الردود، التي بلغت حتى كتابة هذا المقال 415 تعليقًا، تنظر إلى الدولتين السعودية والإيرانية على أنهما ينتهجان نفس المنهج وأن مشكلتهما واحدة وأنهما يرميان بالتهم كلًا على الأخرى، وأن الحقيقة أن كلتا الدولتين يعيبهما ما يتهمان به الأخرى. ولو أخذنا نقطة الإرهاب التي تحدث عنها الوزير واتهم بها إيران وقدم أدلته على ذلك عكس ما فعل الوزير الإيراني الذي اتهم السعودية بنفس التهم دون أي دليل أو قرينة. تعاملت تلك الفئة مع هذه النقطة بغرابة شديدة؛ فقد اعتبرت أن الدولتين شريكتين في إنتاج الإرهاب والتعامل معه، بل على العكس فقد اتهمت السعودية استنادًا إلى جنسية المنتمين لعملية 11سبتمبر ولتنظيم القاعدة وتنظيم داعش، ووجدت في ذلك دليلًا قويًّا وكافيًّا لهذه التهمة. ولو أننا تعاملنا بهذا المبدأ فكيف يمكننا وصف الولايات المتحدة أو فرنسا أو بريطانيا ونحن نرى أبناءهم أعضاء في تنظيمات كالقاعدة وداعش وحزب الله وغيرها. هل يحق لنا أو لغيرنا أن نتهم إحدى تلك الدول برعاية الإرهاب؟! ثم أين مواقف السعودية المضادة للإرهاب وحربها المستمرة ضده ومعاناتها الطويلة من تلك التنظيمات التي تنشأ وتضع أول هدف لها المملكة العربية السعودية؟! إنها السطحية بعينها تلك التي تجعل البعض يتهم الدول بتبني الإرهاب بسبب جنسية بعض الإرهابيين. ثم أن الدولة الراعية للإرهاب هي تلك التي تجد أسماء بعض منسوبيها في قائمة الإرهاب أو تجد حكومتها تقدم رسميًّا الدعم المادي والمعنوي للتنظيمات التي تتبعها مباشرة ودون أي حياء أو وجل أو خوف. إن كانت تلك الفئة لا تعي ذلك فهذه مسؤولية تقع على عاتق سفرائنا والملحقيات الإعلامية الذين من واجبهم أن يتحدثوا إلى وسائل الإعلام الأجنبية وأن يرسموا الصورة الصحيحة لدولتهم وأبنائها، أما أن تبقى الملحقيات الإعلامية دون أن يشعر بها أحد فهذا من المساوئ التي ينبغي تجاوزها حالًا، فالوقت ليس في المصلحة. ولعل تلك الفئة من الردود اعتمدت أيضاً على صفة “الوهابية” كتهمة ألصقتها بالدولة ووصفتها بأنها تحاول تعميمها ونشرها على مستوى العالم. الحقيقة أن تلك الصفة ليست بالتهمة كما أنها ليست بالوصفة السيئة التي تخشاها السعودية، بل وهي غير موجودة أساسًا إلا عند قلة قليلة. ولو أننا سرنا معهم ووافقناهم على ما يقولون ويزعمون من نشر للدولة لما يسمونه بالـ “وهابية”، فهذا ليس أكثر من نشر لمذهب تجديدي محدد لم يخرج عن إطار الدين ولم يتعرض لأي شأن ديني بالإساءة. فأين هذا العمل من قيام إيران بالعمل المنظم والممنهج لتشييع الآلاف من أبناء السنة وتحويلهم من التسنن إلى التشيع في انتقال كبير إلى منهج مخالف تمامًا، هذا إذا لم أقل أنه منهج للعلماء فيه قول؟ الفرق كبير جدًا ويحتاج إلى أن يتم الحديث عنه ومناقشته في ندوات أو محاضرات أو من خلال وسائل الإعلام المختلفة، مما يعني بكل بساطة، بأننا نعود مرة أخرى إلى السؤال عن دور السفراء والملاحق الإعلامية في هذا الشأن وسواه. ومن الواضح أن أصحاب هذه الردود من العينات التي لا تملك وعيًّا كافيًّا للتفريق بين الدولتين السعودية والإيرانية ولا بين التنظيمات ودرجة ارتباط التنظيم بالدولة المعنية سواء من ناحية اعتبارها خصم أو راعية له، مما يضاعف حجم المسؤولية الملقاة على عاتق المعنيين بإيصال المعلومة الصحيحة للعامة، إذ لا يمكن اعتبار دولة مثل إيران خصم وهي الراعية لقيادات القاعدة وداعش وهي الحاضنة والراعية لحزب اللات والحوثيين ومليشيات الشيعة العراقيين، وهذه معلومات لابد للرأي العام الغربي أن يعرفها. هذا تقريبًا من خلال قراءة سريعة وخاطفة للردود التي صاحبت المقال والتي من خلالها يمكن فهم طبيعة القارئ الغربي أكثر من مجرد التخمين أو التوقع المبني على فرضيات مسبقة. إضافة إلى معرفة طريقة وأسلوب فريق الخارجية الإيراني الذي يعمل في هذه الساحة ويستغل أي مساحة توفرها القوى الناعمة لتحقيق أهدافها والتشكيك في تصريحات ومقولات الخصم.