استبشرت خيرًا بالبادرة التي أطلقها مجلس إدارة جمعية الثقافة والفنون المتمثلة في إنشاء لجنة استشارية لتأسيس أقسام للسينما في فروع الجمعيات، وهي بادرة نرجو أن تُشكل نواة فعلية لتشكيل صناعة سينما سعودية وأساسًا صلبًا تنطلق منه إبداعات هذا الفن الراقي على أراضي الوطن الشاسعة؛ بما يتوافق مع قيمنا الإسلامية ولا يتعارض مع أخلاقنا وفضائل مجتمعنا الحاضن للإبداع والمبدعين في مختلف المجالات والأنشطة. أسوق هذه المقدمة وكلي حسرة على السينمائيين السعوديين الذين يعيشون كما الطيور المهاجرة من أجل تحقيق جزء من أحلامهم في ظل غياب الاهتمام بصناعة السينما السعودية من الجهات المعنية، ولعل المؤلم هو عندما تقرأ عزيزي القارئ خبرًا أو أخبارًا تتناقلها وسائل الإعلام المحلية وغير المحلية أن السينما السعودية حققت ما يقارب من 60 جائزة في مهرجانات إقليمية وعالمية خلال العشر سنوات الماضية، أما الأمر المخجل حقًّا فهو عندما يكتشف الحاضرون في تلك المهرجانات، وهم من دول مختلفة أن السعودية بمساحتها الشاسعة وبما تحضنه من فنانين ومبدعين ومثقفين لا يوجد فيها دور عرض سينمائي واحد!!. بهدوء وبكل واقعية أقول.. لقد تفجرت الثورة المعلوماتية وتطورت تقنيات الاتصال لدرجة أن الفضاء بات مفتوحًا والعالم أصبح يعج بالصورة والحركة، وليس خافيًا على أحد أننا نكاد نكون أكثر شعوب العالم متابعة للأفلام عن طريق جهاز التلفاز الذي لا تخلو بيوتنا منه. في المقابل، نرى حضورًا كاسحًا منَّا نحن السعوديون في دور السينما خارج الديار، لدرجة أن الكثير من سكان المنطقة الشرقية والوسطى يذهبون إلى الجارة الشقيقة البحرين طمعًا في مشاهدة أي فيلم جديد، ناهيك عن أولئك الذين يسافرون طوال العام إلى دول أخرى قريبة أو بعيدة، وأغلبهم يعرفون السينما والمسرح ويحرصون عليهما في برامجهم السياحية خلال إقامتهم هناك. السينما أيها السادة – وأخاطب هنا المعارضين لوجودها في المملكة – أكبر من أن تكون فقط صالة عرض لفيلم جديد وخلافه، فكل هذا ممكن مشاهدته في بيوتنا بكل سهولة ويسر وحولنا أطباق من الحلوى والمكسرات وأنواع من القهوة والعصير، ولكن السينما في الواقع هي نزهة ترفيهية ورحلة تثقيفية لأسرة تتجمع مع بعضها البعض يخرجون من منازلهم في سيارة واحدة بحثًا عن السعادة والفرح بعيدًا عن المنزل وطقوسه الروتينية، وهي أيضًا مكان راقي يوفر إحدى الوسائل الناجعة لحل مشكلة الفراغ لدى بعض الشباب الذين يشكلون نسبة كبيرة من سكان المملكة، وكما هو الوضع في المسلسلات التلفزيونية، فإن السينما من شأنها أن تُسخر لمناقشة العديد من القضايا الاجتماعية والفكرية التي تخص المجتمع السعودي. فما الذي يمنع إذن من إنشاء دور سينما في بلادنا، تقدم أفلامًا وفق ضوابط تفرضها وزارة الثقافة والإعلام، فتقوم بمراقبة الفيلم وتقطع كل ما يخدش الحياء أو أي كلام يُسيء للدين، وأن تفرض القوانين الصارمة التي تحمي خصوصية الغير ولا تسمح بتاتًا بمضايقة العائلات لا في السينما ولا خارجها. أرجو ألا تكون (فوبيا السينما) مسيطرة على عقول من يعارض وجود دور سينما داخل المملكة، فيشبهونها دائمًا وكأنها الشر المستطير بلا مبرر أو منطق، بينما هم يدركون أن السينما حاضرة في منازلنا رغم عدم وجود دور سينما، والفرق الوحيد هو غياب الشاشة الكبيرة، مع مراعاة أن الأفلام المعروضة لأبنائنا هي بعيدة كل البعد عن الرقابة وتُقدم بصورة مستنسخة وبلا أي ضوابط.
كاتب وباحث أكاديمي