لُجة الأيقونات
.. منطق الطير: “لا يسافر المرء لكي يصل، بل لكي يسافر” غوته .
لم تبق الأسفار في عالم اليوم محصورة في التنقل من مدينة إلى مدينة، ومن بلاد إلى بلاد، ومن قارة إلى قارة، متدثرًا المسافر حينًا باليابسة وحينًا بالماء، متزملًا بالخوف والقلق والأخطار بين الأرض والسماء، قطعة من العذاب، جر حقائب ووعثاء طريق ومخافر حدود وتأشيرات؛ فالقدر الجميل الذي نحياه جعل خارطة الكون على اتساعها تضيق، لا حاجة لك بالقيام من مكانك، تأتيك البلدان طائعة بضغطة أيقونه -قبل أن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ-، بعد أن يخبرك هدهد (غوغل) بالأخبار وحديث الأمصار. إن لا حجة لمن ضاقت به الديار وأرهقه هوانها وحوصر بين الوشاة والحساد، ولم يكن له من مخرج في السفر إلى بلاد الله الواسعة لتفريج هم أو اكتساب معيشة أو تحصيل علم أو صحبة ماجد، في الركون إلى يأسه وكآبته، مستسلمًا لراهنه المرير، وإنما عليه أن يتأبط أيقونات لوحه الرقمي أو هاتفه الذكي، ويتجول بين حواري وأزقة وشوارع ومدن تلك العوالم المفتوحة، ينهل من تجارب روادها، ويستفيد من خبرات متفاعليها، مغتنمًا عديد الفرص المتاحة وكم الأصدقاء الرائعين والذين وإن لم تلتقَ بهم أحسست بصدق مشاعرهم ودفء تواصلهم. صحيح أن تلك العوالم ليست بوردية، ولا هي بالعوالم المثالية، إذْ هي عوالم تمازج بين انعكاس للواقع وما يحتويه، وعوالم جديدة تتأسس على معطيات مختلفة، يجب فهمها ووعيها ابتداءً، والتنبه إلى أخطارها ومآزقها، والحذر من بعض روادها وما يروج فيها، أضف إلى ذلك, التزييف والتضليل الذي قد يسوق خصوصًا لمن لم يطلع على الحقائق واقعًا ولم يقف عليها، والتضارب في المعلومات والأخبار، والتناقض في المواقف؛ ما يوجب الفطنة واليقظة وحسن التعامل والتفاعل. كل ذلك لا يجب أن يتخذ ذريعة للتخويف والتهويل، والتنفير والتحذير، والانتقاص من أهمية السفر في تلك العوالم الفسيحة، فهي بغض النظر عن مزاياها الكثيرة وسهولة الوصول إليها وبتكلفة تكاد تكون منعدمة أو زهيدة، أضحت واقعًا لا يمكن الفكاك منه، وضرورة ملحة في حالات كثيرة، على أن يكون المسافر فيها والذي ينتقل من سفر إلى سفر متسلحًا بالحكمة والوعي، ولا يتأتى ذلك إلّا بالقراءة المباشرة من التجارب، فالتجارب على ذاتيتها تبقى الرافد المهم في فهم الآخر وقدرة التعامل معه. خبر الهدهد: “share” بالسيف!!