المقالات

السينما بين حركة المد والجزر

في “الوطن”، الجمعة قبل الماضية، نُشر أن مهرجان الشباب للأفلام السينمائية سيقام في جدة الجمعة الماضيةـ مقالي هذا كتبته قبل الموعد ـ وهذا في فهمي هو الإقرار بعينه بأهمية السينما كأحد الفنون الراقية، وأول اعتراف رسمي بها، وخطوة مهمة للغاية، خاصة إذا علمنا أن عدد الأفلام التي تم استقبالها عبر الموقع الإلكتروني للمهرجان 103 أفلام، منها 76 فيلمًا قصيرًا، و27 فيلمًا وثائقيًّا، تتنوع موضوعاتها بين الوطنية، والقضايا الاجتماعية. وقبل مدة لا بأس بها قرأ الناس مجموعة من الأخبار المتعلقة بنفس الموضوع، مثل خبر: “السينما رسميًّا في السعودية”، وأنه “سيتم إطلاق قاعات سينمائية في المملكة”، وأنه تم “توقيع اتفاق مبدئي مع رجال أعمال لإصدار تصريح بناء صالات سينما”.

الواضح هو أن موضوع السينما وإن كان لم يرقَ للبعض فتحه؛ إلا أن كل ما يجري خطوات ابتدائية لإعادة ما كان عليه الأمر قبل أربعين عامًا، وتحديدًا في عام 1382، وما هذه الأمور المتوالية إلا تأكيد على نجاح التجربة السابقة لملتقيات الأفلام القصيرة، التي قامت الإدارة العامة للنشاطات الشبابية بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، بالتعاون مع جمعية الثقافة والفنون بتنظيمها، وأتاحت للشباب آنذاك فرصة تقديم إبداعاتهم في صناعة الأفلام القصيرة الوثائقية والإنسانية. على أي حال، وسواء قرب الأمر أو بعد، فإن كثيرًا أو بعض أهل العلم (يصفون) السينما بكونها حرامًا، وأن العمل في صناعتها، والذهاب لأماكن عرضها لا يجوز؛ والحقيقة أن مما يؤخذ على أصحاب هذا الحكم هو سطحية وعيهم بالسينما، بل إنهم لا يكادون يفرقون بين الأفلام التسجيلية، والروائية، والتعليمية، وليس في مخيلتهم إلا التحريم المطلق المبني على سد الذريعة، ودرء المفاسد، ومكافحة الفتن، ومنعهم هذا من التفكير في الإفادة من أمر واقع، لا يمكن منع العالم عنه، بل سيورط القائلين بإباحة التلفاز مثلًا، بالرغم من إن الاثنين لا يختلفان عن كونهما وسائل تصويرية، قادرة على تشكيل الوعي، أو إعادة تشكيله، وقادرة كذلك على إخراج التاريخ من (القراءة)، إلى (المشاهدة)، وهذا أمر لا يمكن إخفاء جدوى التأثر به. آمل ألا يفهم من كتابتي هذه إطلاق يد صانعي السينما؛ فالضوابط والمعايير التي يمكن أن يحددها صانعو القرار؛ يمكن لهم وضعها بسهولة؛ فمثلًا: تجسيد الأنبياء والرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ أمر مرفوض تمامًا، ويمكن وضع مجموعة ضوابط أخرى، أما المنع لمجرد المنع فأمر قد يُعيدنا إلى مربع الحكم على المذياع ونحوه، في ذلك الزمن الذي عاشه أجدادنا ـ رحمهم الله ـ .. كما أن قاعات السينما، والأفلام لا يمكن وصفها بأنها حلال، أو حرام، فالحلال والحرام ينحصران في طريقة الاستعمال، فما استعمل في المباح فهو مباح، والعكس بالعكس، وما استعين به على خير فهو خير، والعكس بالعكس كذلك، وأختم بقول إن السينما المحترمة بالضوابط التي يمكن وضعها، هي عندي أولى من التلفزيون؛ فالغث في قنوات الأخير كثير وكبير.

عبدالله فدعق

كاتب رأي.. مهتم بقضايا الفقه والفكر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى