المقالات

السَّــــحْـو والجذور

من عاش بين الموريتانيّين – إخواننا  في شنقيط – أو عاشرهم فإنه يذكــر ولا شــك، كلمـــة ( السحوة) المتداولة فيما بينهم ، وترمز إلى الحياء الاجتماعي ، أو مراعاة قواعد الأعراف والعادات الاجتماعية، في المجتمع الموريتاني المسلم، العربيّ الأصيــل !

فما جذور السحوة ؟؟؟

لا بدَّ من هذا التساؤل، فالمجتمع الموريتاني ومعه المجتمع السنغالي العـربـيَّ المسلم أيضــا ً، مجتمع أصيل ولغته سليمة وفصيحة، ولا زالت الأمور هناك على النقاء والصفاء:

مجتمع المليون شاعر،

مجتمع المحاضر العلمية (الكتّاب).

مجتمع التعليم بالمتون وفق الطرائق العربية التقليديّــة القديمة.

مجتمع التزاور وصلة الأرحام …… إلخ السمات الفطرية الجميلة، ولابدَّ إذن أن يكون للسحو  والسحوة جذورا ً عربيّــةً أصيلة وفصيحة.

 

جاء في اللسان ( مع التدخل والشرح والتصرف منا):

 

سَحَوْتُ الطِّينَ عن وجْهِ الأَرض وسَحَيْته إذا جَرَفْته.

وسَحا الطِّينَ بالمِسْحاة عن الأرض يَسْحُوه ويَسْحِيه ويَسْحاه سَحْواً وسَحْياً: قَشَره، وأَنا أَسحاه وأَسْحُوه وأَسْحِيه، (ثلاثُ لغات).

والمِسْحاة الآلة التي يُسْحَى بها. ويسميها العامة في بلاد الشام بالمجرفة.

ومُتَّخِذ المَساحي السَحَّاءُ، وحِرْفَتُه السِّحايَةُ؛ واستعاره رؤبة لحوافر الحُمُر فقال:

سَوَّى مَساحِيهِنَّ تَقْطِيطَ الحُقَقْ*** تَفْلِيلُ ما قارَعْنَ من سُمْرِ الطُّرَقْ

ونلاحظ أنه نَصَبَ تَقْطِيطَ الحُقَق على المَصْدَرِ المُشَبَّة به لأَنَّ مَعْنَى سَوَّى وقَطَّطَ واحِدٌ وتَفْلِيلُ فاعلُ سَوَّى أَي سَوَّى مَساحِيَهُنَّ تَكْسِيرُ ما قارَعتْ من سُمْرِ الطُّرَق والطُّرَقُ: جمع طُرْقَةٍ وهي حِجَارةٌ بعْضُها فوقَ بَعْض. والمَقَطُّ: مُنْقَطَع شَرَاسِيفِ الفَرَسِ كما في المُحْكَمِ وفي التَّهْذِيب: مَقَطُّ الفَرَسِ: مُنْقَطَع أَضْلاعِه قالَ النّابِغَــةُ الجَعْدِيّ الشاعر المعروف:

كَأَنَّ مَـقَطـَّ شَــرَسِـــــيفِـــه  *** إِلى طَرَفِ القـُنـْبِ فالـمَنـْقَبِ

 لُطِمْنَ بتَرْسٍ شَدِيدِ الصِّفَا *** قِ من خَشَبِ الجَوْزِ لم يُثْقَبِ

 

والملاحَظ أنّ رؤبَــة قد سمّى سَنابكَ الحُمُر(الحمير) مَساحِيَ لأَنها يُسْحَى بها الأَرضُ.

وفي حديث خيبر: فخرجوا بمسَاحِيهِم؛ المَساحي جمع مِسْحاة وهي المِجرفة الحديدية.

وسَحَى القِرْطاس والشَّحْمَ واستَحى اللحمَ: قَشَرة؛ عن ابن الأَعرابي. وكلُّ ما قُشِرَ عن شيء سِحايَةٌ.

وسَحْوُ الشَّحمِ عن الإهاب (جلد الدابة): قَشْرُه وسلخه، وما قُشِرَ عنه سِـــــحاءَة كسِحاءَةِ النَّواةِ وسِحاءَة القرطاس.

والسّحا والسَّحاة والسِّحاءَةُ والسِّحاية: ما انْقَشَر من الشيء كسِحاءَةِ النَّــــــواة والقرطاس.

وسيلٌ ساحِيةٌ: يَقْشِرُ كلُّ شيء ويجرُفه، الهاء للمبالغة. قال ابن سيده: وأُرى اللحياني حكى سَحَيْت الجَمْرَ جَرَفْته، والمعروف سخَيْت بالخاء.

وما في السماء سِحاءَةٌ من سحاب أَي قِشْرة على التشبيه أَي غَيمٌ رقيق.

وسِحايَة القِرْطاس وسِحاءته، ممدود، وسَحاتُه: ما أُخِذَ منه؛ الأَخيرة عن اللحياني.

وسَحا من القِرْطاس: أَخذ منه شيئاً.

وسَحَا القِرْطاسَ سَحْواً وسَحّاه: أَخذ منه سِحاءَةً أَو شدَّة بها.

وسَحا الكتابَ وسَحّاهُ وأَسْحاه: شَدَّه بسِحاءة، يقال منه سَحَوْته وسَحَيْته، واسم تلك القشرة سِحايَة وسِحاءَةٌ وسَحاةٌ.

وسَحَّيْت الكتاب تَسْحِية: لشدِّه بالسحاءة، ويقال بالسِّحاية. الجوهري: وسِـــحاءُ الكتاب ، مكسور ممدود، الواحدة سِحاءَة، والجمع أَسحِيةٌ.

وسَحَوْت القِرطاسَ وسَحَيْته أَسْحاهُ إذا قَشَرْته.

وأَسْحَى الرجلُ إذا كثرت عنده الأَسْحِيةُ.

وإذا شَدَدْت الكتابَ بسِحاءَةٍ قلت: سَحَّيته تَسْحِية، بالتشديد، وسَحَيْته أَيضاً، بالتخفيف.

وانْسَحَت اللِّيطة عن السَّهم: زالت عنه.

والأُسْحِيَّة: كلُّ قِشْرة تكون على مَضائِغِ اللّحم من الجِلْدِ.

وفي حديث أمِّ حكيم: أَتَتْه بكَتِفٍ تسْحاها أَي تَقْشِرُها وتكشِطُ عنها اللَّحم؛ ومنه الحديث: فإذا عُرْضُ وَجهِه، عليه السلام، مُنْسَحٍ أَي مُنْقَشِرٌ.وسَحى شعرَه واستحاه: حَلَقَه حتى كأَنه قَشَرَه.

واسْتَحى اللحمَ: قَشَرَه، أُخِذَ من سِحاءة القرطاس، (مرويّ عن ابن الأَعرابي.).

قلت: ولعل أغلفة المخ ( بمثابة القشور حوله) سُمِّيت بالسحايا من هذا الباب!!!

وسِحاءتا اللسان: ناحِيَتاه.

ورجلٌ أُسْحُوان: جميلٌ طويلٌ.

والسَّحاءَة والسَّحاءُ من الفرس: عِرْقٌ في أَسفل لسانه.

والساحية: المَطْرة التي تَقْشِر الأَرض وهي المطرة الشديدة الوَقْع؛ وأَنشد: بساحِيَةٍ وأَتْبَعَها طِلالا والسِّحاء: نبتٌ تأْكله النَّحلُ فيطيب عسلُها عليه، واحدته سِحاءَة.

وكتب الحجاج إلى عاملٍ له: أنِ ابْعثْ إليّ بعَسلٍ من عَسلِ النَّدْغِ والسِّحاء أَخضَر في الإناء؛ (والنَّدْغُ والنِّدْغُ: بالفتح والكسر: السَّعتر البَرِّي، وقيل: شجرة خضراء لها ثمرة بيضاءُ).

والسِّحاء، بالمدّ والكسر: شجرة صغيرة مثل الكف لها شوك وزهرة حمراء في بياض تُسمَّى زَهرتها البَهْرَمة، قال: وإنما خصَّ هذين النبتين لأَن النحلَ إذا أَكلتهما طاب عسلُها وجادَ.

والسَّحاة، بفتح السين وبالقصر: شجرة شاكةٌ وثمرتها بيضاءٌ، وهي عُشبة من عُشب الربيع ما دامت خضراء، فإذا يبست في القيظ فهي شجرة،

والسَّحاة الناحية كالساحةِ؛ يقال: لا أَرَيَنَّك بسَحْسَحي وسَحاتي؛ وأَما قول أَبي زُبَيْد الطائي في رثاء سيدنا عثمان الخليفة الثالث لما اعتدى الروافض على ضريحه الشريف:

 كأَنَّ أَوْبَ مَساحي القومِ، فَوْقَهُمُ، *** طَيرٌ تَعِيفُ على جُونٍ مَزاحِيفِ

شبَّه رَجْع أَيدي القوم بالمَساحي المُعْوَجَّة التي يقال لها بالفارسية كَنَنْد في حفر قبرِ عثمان، رضي الله عنه، بطير تَعِيف على جُونٍ مَزاحِيف؛ قال ابن بري: والذي في شعر أَبي زُبيد: كأَنَّهُنَّ بأَيدي القوم في كَبَدٍ، وفي رواية ( تكشف) بدل تعيف .وقال ابن سيده: شبّه المساحي بطير تقع على إبل مزاحيف. فتطير عنها بارتفاع الطير وانخفاضها.

وفي الجذر يقول ابن فارس:

السين والحاء أصلٌ واحد يدلُّ على الصَّبّ، يقال سححت [الماء] أسُحُّ سَحّاً.

وسَحَابَةٌ سحوح، أي صَبَّابة.

وشاةٌ ساحٌّ، أي سمينة، كأنّها تَسُحّ الودكَ سَحّاً ( والودك: الدسم).

وفرس مِسَحٌّ، أي سريعةٌ يشبه عدوُها انصبابَ المطر.

ويقال سَحسَح الشيء، إذا سال.

ونستطيع دونما عنــــاء أن نقول بأن السحو والسحوة إشارة الى القشر، ويقصد بها أخوتنا الموريتانيون البشرة ، أو قشرة الوجه، وهي موضع الحياء وعلامة التهذيب والدلالة على التــأثّـر والانفعال من موقف ما.

أو ربما كانت السحوة اشتقّت من السحاء وهو الستر والغطاء ، وفي هذا إشارة الى أن أشياء مجتمعية يجب أن تُستر فلا تكشف ولا يباح تداولها، بل يعتبر كشفها من الممنوعات  العرفية، بمثابة( التابو) التقليدي في المجتمع!

فالموريتانية حين تسألها عن اسم زوجها ( مثَـلا ً) لا تجيبك، وانما تكتفي بكلمة( هو) وتعتبر الإفصاح عن اسم الزوج مساسـاً بها أو به أو بالعائلة، والحياء هو المانع.

والزوج الموريتاني لا يبوح باسم زوجته بالمقابل أبدا، انطلاقا من  السحوة نفسها ، وهو ما يذكرنا بعادة كنا نتمسك بها ، وهي عدم الإفصاح عن اسم الأم، وإذا ما جاء المسجِّل الإداري يسألنا عن اسم الأم فلا نجيب، وكأنَّ اسم الأم ( أو الأنثى عموما ً) عورة فنخفيه، مما يضطره لملء بياناته الإدارية بشكل سرِّي !

 

والشيء بالشيء يذكر، نلاحظ أنَّ الأشياء تعرف بأضدادها، (والضدُّ يظهر حسنه الضدُّ)، أقـــول:

فلنعقد مقارنـةً جذوريّــةً بين (ح س و) و (س ح و)، ولـنـرَ:

سحو: هو ما ذكرنا آنفا.

ولنأخذ الحرفين الأولييْن ( سح/ سحح) بمعنى سال ببطء ودون أن يحدث صوتا ً..

العكس(حس/ حسس): الحِسُّ والحَسِيسُ: الصوتُ الخَفِيُّ؛ قــال اللَّه تعـالى:

((لا يَسْمَعُون حَسِيسَها)) سورة الأنبياء/ 102.

والآن لاحظ ( الحسو) وهو عملية البحث عن الماء، وعبارة البدو الشهيرة: ذهبوا إلى الحسو، أي ذهبــوا لاكتشاف مواطن الماء في الصحــراء ولهم علامات وطرق خاصّـة بذلك!!!

فالحسو كشف وإظهار، بينما السحو ستر وكتم وإخفاء.

د. محمد فتحي الحريري

باحث في شؤون اللغة والاسرة وعلم التربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى