المقالات

العلاقات العربية الهندية بين الواقع والمأمول

السؤال: كونك باحثًا كيف تصف العلاقات الهندية العربية؟ وما هي سبل تطوير هذه العلاقة لا سيما وأن الهند تعتبر قوة إقليمية بارزة في جنوبي شرق آسيا؟

الجواب: عند النظر في كتب التاريخ القديمة والحديثة والوثائق السياسية نجد أن طبيعة العلاقات بين شبه القارة الهندية ودول الخليج العربي تكمن في التواصل الحضاري وفي الأخذ والعطاء عبر العصور. وكانت التجارة هي الخيط الأول الذي ربط شبه القارة الهندية، من خلال مناطقها الساحلية الغربية وموانئها العديدة المطلة على بحر الهند بالعرب وبدول شرق إفريقيا؛ فمنذ آلاف السنين توافد التجار العرب إلى سواحل الهند الغربية، لا سيما من كانوا ينتمون إلى منطقة الخليج العربي ذات البيئة الجغرافية المميزة والموقع الإستراتيجي؛ فكان لهذه المنطقة الدور الأساسي في ترسيخ الصلات التجارية بين كل من المناطق الآسيوية وبلاد الرافدين وفارس ودول شرق إفريقيا ممتدًا إلى دول البحر الأبيض المتوسط، وذلك بواسطة الموانئ التجارية المطلة على بحر الهند والبحر الأحمر إلخ. ولو كانت شبه القارة الهندية وسيطًا بين العرب والمناطق الآسيوية الجنوبية، فكانت منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية وسيطًا بين الهند ودول البحر الأبيض المتوسط، ذلك بسبب معرفتهم ومهاراتهم ومغامراتهم الملاحية والبحرية، وبالتالي أصبحت منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية منفذًا مهمًا وحيويًا للسلع الهندية ودول الجنوب الآسيوية. وقد قويت هذه العلاقات التجارية والاقتصادية بين الطرفين وتطورت في العصر الإسلامي لا سيما في عصر الدولة الأموية والعباسية، حيث بدأت الصلات الدينية والثقافية بين الطرفين بواسطة الرحلات الدينية إلى الحرمين الشريفين والرحلات العلمية من الهند إلى بغداد والعكس. وفي هذه المرحلة نرى أن العرب اهتموا اهتمامًا بالغًا بالعلوم والصناعة، واستعانوا في ذلك بعلماء الهند في عملية نقل العلوم والفلسفة والحسابات والطب والهندسة إلخ… إلى اللغة العربية بواسطة الكتب السنسكريية والبالية، ثم أسهموا بدورهم في تطوير هذه العلوم ونقلوها إلى الغرب عبر المناطق الشامية من ناحية والمناطق المغربية الأندلسية من ناحية أخرى. وقد أدت هذه العلاقات التجارية والدينية والثقافية إلى استقرار الجاليات العربية والهندية بين المنطقتين، حيث استقر عدد كبير من الأسر العربية في المناطق الساحلية الغربية الهندية لا سيما منذ العصر الإسلامي إلى عهد الاستعمار البريطاني، وكذلك استقرت الجاليات الهندية في جميع المناطق لدول الخليج العربي. وكان لها هيمنة على النشاط التجاري في هذه المناطق العربية وبذلك صارت القوة التجارية والاقتصادية المهمة فيها، فكان الهنود يشكلون قاعدة أساسية للنشاط التجاري في الشبكة العظمى للتجارة في المحيط الهندي والمناطق الساحلية العربية؛ وذلك في القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين. وكذلك كانت للأسر العلمية مكانة خاصة في الحرمين الشريفين تلك التي بدأت تتدفق إليهما منذ القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين وصاعدًا، وجاورتهما واستقرت فيهما، وقامت بدور كبير في تنشيط الحياة الثقافية والعلمية في الجزيرة العربية. وفي عصر الاستعمار الغربي نجد أن الصراعات السياسية المحلية والدولية لم تؤثر في العلاقات الدينية والثقافية والتجارية والاقتصادية بين الطرفين؛ فكانت جميع هذه النشاطات جارية وسارية بين الطرفين. وكانت الحكومات العربية تبذل كل المجهود في توفير الحماية الكاملة للجاليات الهندية ونشاطاتها التجارية، وتشجعهم على البقاء والمساهمة في النشاطات التجارية والاقتصادية؛ لأنها كانت تعد دعائم القوة الاقتصادية والتجارية في المناطق العربية، وكانت الشبكة التجارية الثلاثية القائمة بين الهند والمناطق العربية والإفريقية، قامت بدور حيوي في توسيع نطاق الأنشطة التجارية وربط جميع المناطق الساحلية التجارية ببعضها بعضًا. وكانت الإمارات الإسلامية الهندية تسهم بدورها في الحياة العمرانية والثقافية في الحرمين الشريفين عن طريق المشاركة في بناء الأوقاف الدينية والمدنية الأمر الذي كان يشجع الهنود على الرحلات الدينية والتجارية إلى الجزيرة العربية والبقاء فيها. وقد استمرت هذه العلاقات بين الطرفين حتى بعد استقلال الهند من براثن الاحتلال البريطاني في النصف الأخير من القرن العشرين. وتفيد الوثائق والتقارير السياسية وسجل الشؤون الخارجية الهندية بالإضافة إلى الاتفاقيات الثنائية بين الهند ودول الخليج العربي والجزيرة العربية بتطوير العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية بين الطرفين بواسطة القنوات العديدة. وتؤكد هذه الأوراق على عزم الطرفين على عمل تقوية للعلاقات بواسطة التعاون المشترك في جميع المجالات، التي تصب في مصالح بلادهم المتبادلة، السياسية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والثقافية، والدينية. وحقيقة كانت الهند مخلصة لجميع الدول العربية، ويتضح ذلك في تلك الجهود التي مارستها الهند في بداية النصف الثاني من القرن العشرين بانضمام دول الخليج العربي والجزيرة العربية إلى حركة عدم الانحياز التي أسهم في بناء أفكارها رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، ودعا الملكَ فيصل -رحمه الله- وزعماء العرب الآخرين للمشاركة في مؤتمر باندونج المنعقد في عام 1955م. وكان للهند موقف واضح نحو التسلح والمشاركة في سباق عملية التسلح في إطار التشجيع من جانب بائعي الأسلحة والمعدات العسكرية. وتفيد بعض التقارير السياسية الهندية؛ بأن الهند كانت تبغي أن تستعين دول الخليج العربي والجزيرة العربية بثرواتها النفطية الهائلة بشكل جيد وبصورة إيجابية، عن طريق استثمارها في تطوير التعليم والتكنولوجيا، وباستخدامها لتجديد النظم الاجتماعية والانطلاق نحو العلم والتكنولوجيا والحداثة، لكي تكون رمزًا للثراء والقوة والهيمنة السياسية والاقتصادية في المستقبل.

وبما أن العلاقات بين الهند ودول الخليج العربي والجزيرة العربية لا تزال قوية جدًا على جميع الأصعدة، تستطيع الدول العربية بصورة عامة الاستفادة من خبرات الهند في مجال تطوير الزراعة والتجارة والتعليم والتكنلوجيا والطب والهندسة إلخ، بواسطة إيجاد التعاون المشترك بين الطرفين، وإرسال البعثات العلمية والدراسية إلى الهند لنقل معارف الهند وخبراتها الهندسية والطبية والتكنولوجيا والصنائع والفنون فيها، لكي تستطيع مضارعة الدول الغربية في مضمار التقدم العلمي والاجتماعي ولا تكون مجرد متلقٍ في هذه النواحي، لا سيما وأن خلفية العلاقات التاريخية الممتدة بين الطرفين موجودة، ولها حضور قوي في دول الخليج العربي والجزيرة العربية. وفي المقابل بإمكان دول الخليج والجزيرة العربية باستثمار الأموال المتوفرة لديها في عديد من المشاريع الاقتصادية والثقافية، بالإضافة إلى فتح المراكز والمدارس الإسلامية من أجل تحقيق الأهداف الإسلامية. وكذلك ينبغي أن يتم فتح الأبواب على مصراعيها للهنود؛ للتفاعل والتواصل والإسهام في تطوير البلدان العربية في مجال الاقتصاد والعمران والعلم والتكنولوجيا إلخ. وحقيقةً فدول الخليج العربي والجزيرة العربية بحاجة شديدة إلى مراجعة علاقتها بالهند وإبرازها في الوقت الحالي في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتعليمية لا سيما وأن الهند في الفترة الأخيرة برزت كقوة إقليمية مهمة، فهذا الأمر سوف يوضح أهمية العلاقات بين الطرفين، وفي نفس الوقت سيبين دور الهند والمناطق العربية في التجارة المحلية والدولية، وسيساعد الطرفين المزيد من العمل على التعاون المشترك في المجال السياسي، والدبلوماسي، والاقتصادي، والتجاري، والثقافي، وسيقدم خريطة واضحة لهما للسير عليها في المستقبل نحو التطور والتقدم والحداثة.

الباحث: صاحب عالم الأعظمي الندوي

كلية دارالعلوم، جامعة القاهرة، مصر العربية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى