قليل جدًا هو عدد المؤرخين والمفكرين الغربيين الذين أنصفوا الحضارة العربية، وأعطوا الإنسان المسلم حقه من التقدير، وأشادوا بجهود العلماء العرب والمسلمين في تكوين اللبنات الأولى للحضارة الأوروبية المعاصرة. .. ويقف “أناتول فرانس” المفكر الفرنسي المشهور في مقدمة هؤلاء المفكرين الغربيين. ومن أقواله في هذا المجال قوله: “إن تاريخ العالم لم يعرف سيطرة أجنبية أفادت الأمم التي سيطرت عليها سوى تجربة الفتح العربي الإسلامي؛ وذلك لأن هدف العرب لم يكن البطش والاستغلال، وإنما نشر الحضارة والعلم والمعرفة لأن دينهم الإسلامي يحثهم على فعل ذلك …”. ويرى “أناتول فرانس” أن أسوأ يوم في تاريخ فرنسا هو ذلك اليوم الذي انتصرت فيه القوات الفرنسية الصليبية بقيادة “شارل مارتل” على الجيش الإسلامي الفاتح في معركة بلاط الشهداء..أو معركة .(بواتييه).باللغة الفرنسية وهي المنطقة التي وقفت عندها الجيوش المسلمة بقيادة والي الأندلس “عبدالرحمن الغافقي” غير قادرة على تخطي الحدود الفرنسية الجنوبية؛ وذلك في شهر رمضان من سنة 114 هجري الموافق لشهر أكتوبر من سنة 732م . وبينما يصور بعض المؤرخين الغربيين هذا الانتصار بأنه انتصار للمسيحيين ضد الهمجية الإسلامية يرى “أناتول فرانس” أن نكوص الجيش الاسلامي وعدم تمكنه من عبور الحدود الغربية ومن ثم شق طريقه نحو أوروبا بأسرها أحد الأسباب التي جعلت أوروبا تعيش قرونًا عديدة في غياهب الجهل والظلام وذلك خلال الفترة التي تسمى بالقرون الوسطى … ويقول” إنه بينما كانت إسبانيا التي تعيش في ظل الحكم السلامي كانت تنهل من مناهل الثقافة والعلوم والحضارة الإسلامية الإنسانية، وكانت مدنها قبلة لطالبي العلم من كل مكان في أوروبا وكانت مساجدها تعج بالعلماء في شتى المجالات العلمية والإنسانية. وكانت مكتباتها تضيق بالمؤلفات والكتب في شتى المعارف والعلوم وكتب الطب والهندسة والزراعة، والفلسفة والكيمياء، الفيزياء والآداب وغيرها من العلوم الأخرى…كانت مدن أوروبا الشهيرة اليوم تعيش حياة قاسية بعيدة عن الحضارة والتطور والمدنية بسبب ابتعادها عن السيطرة العربية ..ولذا استطاعت إسبانيا الأوروبية أن تخرج من بعد الحكم الإسلامي دولة قوية متماسكة رائدة في مجالات العلم والثقافة.. وقادت لفترة طويلة من الزمان قوافل الاستكشاف البحرية وخرج منها أساطين المغامرين الأوروبيين الذين وضعوا أقدامهم على كثير من أجزاء العالم الجديد” .. هذه شهادة مفكر غربي يمكن إضافتها إلى شهادات أخرى عديدة تعطي للحضارة العربية الإسلامية حقها من التمجيد والتبجيل في فترة ضاعت فيها الحقائق، وظهرت معالم التزوير والتزييف.
0