المقالات

مؤرخ مكة واديبها ..أحمد السباعي..

من الصعب جدا أن تلخص حياة شخصية فذة في قامة الشيخ الاستاذ أحمد محمد السباعي 1323 -1404هجرية في مقالة قصيرة كهذه المقالة التي لايتجاوز حجمها حجم صفحة واحدة من كتبه العديدة ..ذلك أن الرجل يعد طراز نادرا من رجالات الفكر والأدب والصحافة في بلادنا وهو صاحب العبارة المشهورة (دعونا نمشي) التي نستخدمها ونتداولها دون ان نكلف انفسنا عناء معرفة من هو قائلها، وهي العبارة التي عنون بها أحد كتبه الكثيرة التي صنفها في العديد من المجالات الفكرية..والأدبية..والتاريخية ..إضافة لمقالاته الاجتماعية الناقدة والتي يمكن اعتبارها مفتاحا لشخصية هذا الإنسان الفذ مفكرا ومؤرخا وكاتبا اجتماعيا وأديبا وصحفيا صلبا.
ولعل من أهم مايتصف به الاستاذ احمد السباعي انه كان ينأى بنفسه عندما تحتدم معارك السفسطة والخصومات الذاتية بين بعض الأدباء والكتاب ..كما كان ينأى بنفسه عن مناخها إدراكا منه أن له رسالة محددة يؤديها ويسعى من أجلها ..وهي العمل على تنوير المجتمع وهو ديدنه في كل ماكتب وقام به من أعمال ..تعليم وتنوير أبناء وطنه. .لأنه كان يؤمن ايمانا راسخا بأن الوعي لإيجتاز حدود النضج المتكافىء مع تطورات العصر إلا إذا بني على أسس علمية ..فكان رائدا في التعليم كما كان رائدا في الصحافة والأدب. .حيث عمل بعد تخرجه من المدرسة الهاشمية الراقية معلما لمدة ليست بالقصيرة شملت العهدين الهاشمي والسعودي ..ثم خاض بعد ذلك تجربة تأليف الكتب المدرسية فالف كتاب (سلم القراة العربية) للمرحلة الابتدائية وقد ساعده في ذلك إلى جانب خبرته التعليمية حبه للقراة منذ وقت مبكر من حياته ..حيث كان شغوفا بقراءة القصص والروايات الشعبية. .فقرا قصص ابوزيد الهلالي خليفة..وسيف بن ذي يزن ..والأميرة ذات الهمة ..وعشرات غيرها من السير الشعبية التي كانت تباع في أسواق ومكتبات مكة بأثمان رخيصة ..ثم تطورت به قراته فيما بعد فقرا سيرة بن هشام. .وتاريخ ابن الاثير..تاريخ الطبري ..والاصبهاني ..كما قرأ الاصمعيات ..وجمهرة اشعار العرب ..وامالي القالي ..وابن قتيبة. .وأمثالها من كتب التراث العربي. .إلى جانب مؤلفات كبار الأدباء العرب المعاصرين أمثال الرافعي والزيات ومحمد حسين هيكل ..وطه حسين والعقاد..وجبران ..وغيرهم من كبار المفكرين. .يقول واصفا تلك المرحلة من بداياته (فشعرت انني اتلذذ بأسلوب أرقى مما كنت أقرأ وأحسست أنني امازج المؤلفين فيما يكتبون واسايرهم فيما يعجبني من آراء واحنق عليهم فيما لا يعجبني وأناقشهم فيما كل ما يحتمل المناقشة والجدل.. )..وهكذا تفتحت حاسة الأدب والتاريخ لديه في سن مبكرة وايقظت في داخله رغبة الكتابة والتعبير عما يعتلج في ضميره من من أفكار. .فبدأ رحلته مع الكتابة فإنضم إلى ثلة من زملاءه ممن يكتبون في الصحف مقالاتهم واشعارهم أمثال محمد حسن فقي وحسين سرحان ..وأحمد غزاوي وعبدالسلام عمر ..وامين عقيل وعبدالله فدا..وعزيز ضياء ..ومحمد عمر العامودي. .والعواد. ..ومحمد سعيد عبدالمقصود ..وعبدالوهاب اشي…وغيرهم من جيل الرواد الذين حملوا عبء البداية ورسم الطريق لمن جاء بعدهم في الأدب والصحافة. …وقد مارس السباعي في كتاباته اشكالا متنوعة من النثر شملت القصة والرواية والسيرة الذاتية والكتابة التاريخية والمقالة الاجتماعية الاصلاحية الناقدة. .نشر معظمها متفرقة في الصحف والمجلات السعودية ثم جمعها بعد ذلك في كتب ..هي.. (فكرة. .وهي رواية اجتماعية.)…(أبو زامل). .( يوميات مجنون ..مقالاتةفلسفية ساقها باسلوب قصصي) …( دعونا نمشي ..مقالات اجتماعية .). (خالتي كدر جان ..مجموعة قصصية تصور جوانب من الحياة الاجتماعية في مكة المكرمة )..ويعدها البعض عملا رائدا في تاريخ القصة في الأدب العربي السعودي.. .(قال وقلت .. حوار أدبي يتناول شؤونا وقضايا شتى) .(اوراق مطوية).(الأمثال الشعبية في مدن الحجاز) . (سباعيات. ).(أيامي ..سيرة ذاتية )..ثم كتابه الفخم الضخم (تاريخ مكة ) وهو جزءان يؤرخ فيه للبلد الحرام سياسيا وحضاريا ودينيا منذ الجاهلية حتى نهاية الحكم الهاشمي، وهذا الكتاب الموسوعة يقول عنه علامة الجزيرة الشيخ الأستاذ حمد الجاسر (لو سألتني ماهو اخلد أثرا واغزر نفعا من آثار أستاذنا السباعي رحمه والله رحمة الأبرار لما ترددت في القول بعد تأثيره الفكري نفوس تلاميذه أديب رائدا وكاتبا وصحفيا …بأن ذلك الأثر البارز في مسار الأستاذ الجليل هو مؤلفة القيم تاريخ مكة المكرمة الذي بذل استاذنا السباعي جهدا عظيما في تأليفه واتخذ من صفحاته مجالات واسعة لدراسة أحوال هذا البلد الكريم في السياسة والعلم والاجتماع والعمران ..) ومن مزايا الأستاذ أحد السباعي الجميلة أنه لايانف من الاستفادة من نقد الناقدين المخلصين وتصويبات العلماء العارفين يعبر عن ذلك ماكتبه في مقدمة الطبعة الرابعة من كتابه تأريخ مكة المكرمة. .حيث يقول .(في احدى رحلاتي إلى الرياض زرت حمد الجاسر في بيته مؤملا أن أسمع رأيه فيما بدأ له من ملاحظات في الطبعة الأولى. .فوجدته يحتفظ في ثبت أدرج فيه مالاحظه على الطبعة الأولى فقدرت هذه العناية واكبرت اخلاصه للفن بعد أن تسلمت الثبت. .وساقني الثبت إلى مراجعة المصادر اللازمة. .وبالرغم من كوني تحيرت في التوفيق بين بعض هذه المصادر إلا أنني انتفعت بالكثير واستطعت أن أضع يدي على أخطاء تعين علي إصلاحها على ضوء تلك المصادر فاقدم له جزيل شكري )…وهكذا هم الرجال الكبار الذين ينشدون الحقيقة ويبحثون عنها. . وليقينه بدور الصحافة والإعلام في التوجيه والإصلاح والعلم والمعرفة أنشأ الأستاذ أحمد السباعي رحمه الله تعالى جريدة الندوة ثم مجلة قريش..اللتان تعتبران امتدادا لعلاقته بالعمل الصحفي منذ وقت مبكر من حياته حيث التحق محررا بجريدة صوت الحجاز التي كان يديرها انذاك الشيخ محمد صالح نصيف..حتى إذا انتهى أمر (صوت الحجاز ) إلى الشركة العربية للطبع والنشر صار السباعي مديرا لأعمال الجريدة ثم رئيسا لتحريرها لبعض الوقت .. وكانت جريدة الندوة ومجلة قريش نقطة انطلاق لكثير من ناشئة الأدب والصحافة الذين افسح لهم الأستاذ السباعي المجال لنشر مقالاتهم الأدبية والإجتماعية والثقافية وخطراتهم الإنسانية. .بل ووجد هؤلاء الناشئة من لدنه الكثير من التشجيع ليس للاستمرار في الكتابة وحسب بل والعمل على تقويم مايبعثون به من من مقالات. .وإعمال قلمه بتصحيح هذه المقالات وتوجيه من كتبها. ..يقول الدكتور هاشم عبده هاشم (لكم أن تتصوروا شابا لايتجاوز عمره (17)عاما يتلقى رسالة أو رسالتين من استاذ كبير مثل الأستاذ أحمد السباعي في كل شهر يشرح فيها إنتاجي الذي بعثت به إليه ويوجهني إلى مايجب أن أفعله لكي أجود وأحسن كتاباتي. .) وماحدث مع الدكتور هاشم حدث مع غيره من ناشئة الأدب والصحافة الذين كان أستاذنا السباعي يقوم بنفس المهمة معهم .. يصحح أخطاءهم اللغوية ويقوم الأفكار وينتقد الأسلوب ثم يعيدها إليهم…. يفعل ذلك بروح ابوية مخلصة صادقة. ….ولعلنا اليوم نعجب كيف يتسنى للأستاذ السباعي القيام بهذا الجهد الذي يتطلب منه قراءة عشرات المواضيع بتلك العناية والدقة وإعادة إرسالها إلى أصحابها مشفوعة برسالة تشجيع بخط يده. ..والاجابة على هذا التساؤل.. أن هذا هو فعل انسان وهب نفسه لمهنة عشقها وهدف نبيل أخلص له. . والحقيقة أن مجلة قريش كانت نقطة مضيئة في تاريخ الصحافة السعودية بما كانت تعكسه من آراء وأفكار ومطالب ونقد لايخلو من قسوة ولايبتعد عن المنهج في تقديم صحافة حية متفاعلة هدفها البناء وغايتها الإصلاح. . ولعلنا نشير هنا إلى بعض من كانوا يكتبون في مجلة قريش في ذلك الوقت (الثمانينات الهجرية)..لنتعرف على نهج صاحبها ورئيس تحريرها في تشجيع الناشئة واستقطاب كبار الأدباء على الكتابة بها ..فمن بين من كانوا يكتبون في مجلة قريش مع حفظ الألقاب (عبدالله خياط..عبدالعزيز مؤمنة..فؤاد عبدالحميد عنقاوي. .سعد البواردي. .عبدالكريم الجهيمان….عبدالله بن إدريس. .عبدالمحسن التويجري. ..حسين سرحان. .عبدالله الجفري ..عثمان شوقي ..أحمد عبد الغفور عطار. .عبدالرحمن الحقيل..راشد الحمدان ..هاشم عبده هاشم ..إبراهيم الناصر….محمد عبدالله مليباري. .الذي كان مديرا لتحريرها…وغيرهم ممن أصبح لبعضهم شأن كبير في عالم الصحافة والأدب. . رحم الله شيخنا الجليل الأستاذ أحمد محمد السباعي فقد كان رائدا..من روادنا الذين يجب أن تلقى شخصياتهم وأعمالهم ماتستحقه من اهتمام الباحثين والدارسين. …

عبدالعزيز التميمي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى