سعى حزب العدالة والتنمية منذ توليه مقاليد الحكم في تركيا نحو التنمية الشاملة عبر مساران أساسيان الأول: تنمية الموارد البشرية من خلال تنوع مصادر التعليم، والاستعانة بأفضل الوسائل التقنية، وإفساح المجال أمام الشباب لتنمية قدراتهم، والاستفادة من الشيوخ بخبراتهم . أما المسار الثاني فاعتمد على تنويع مصادر الدخل، واعتبار عوائد الرسوم والضرائب مصدرًا ثانويًّا لا أساسيًّا، والعمل على منح المستثمرين الأتراك والأجانب تسهيلات وضمانات تشجعهم على الاستثمار، وتدعيم المناطق السياحية وتنوعها، وعدم حصرها بمنطقة أو مناطق محددة . ولكي يصل الاقتصاد التركي إلى درجة عالية من الاستقرار كانت الخطوة الرئيسية معتمدة على تطوير العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، مع الإبقاء على العلاقات الجيدة مع دول أوروبا سعيًّا للانضمام للاتحاد الأوروبي شريطة ألا تؤثر ذلك على العلاقات مع الدول العربية والإسلامية كدول رئيسية . ومع وصول رجب طيب أردوغان لرئاسة الوزراء، أدركت أوروبا أن تركيا التي كانت بالأمس الابن المطيع، أصبحت أسدًا قويًّا يصعب ترويضه وفقًا لرغباتها، فعملت على منحها العديد من الفرص بغية إبقاء تركيا داخل دائرة الابن المطيع، لكنها لم توفق في ذلك، وسجل مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صلابة قوية خاصة تجاه القضايا العربية والإسلامية . وإن كانت تركيا قد سعت لتقوية علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية؛ فإن العلاقات السعودية ــ التركية شهدت تناميًّا مستمرًا وتوافقًا حيال قضايا المنطقة والعالم، وأمام ذلك التوافق بدأت الحكومة التركية في منح التسهيلات أمام المستثمرين السعوديين الذين وجدوا ترحيبًا واسعًا، وجاءت التسهيلات الجديدة التي منحتها تركيا للسعوديين من خلال ست مزايا للاستثمار تتضمن الإعفاء من الرسوم الجمركية، والإعفاء من ضريبة القيمة المضافة، وتخفيض الضرائب ودعم أقساط الضمان الاجتماعي لصاحب العمل وللعاملين إلى جانب تخصيص الأراضي. ووفقًا لما أوضحه كبير مستشاري رئاسة وزراء الجمهورية التركية الدكتور مصطفى كوكصو فإن القطاعات الواعدة في الاستثمار بتركيا تشمل قطاع السيارات الذي تسعى تركيا من خلاله لإنتاج مليوني مركبة خلال 5 سنوات، إضافة إلى قطاع الطاقة الذي تبلغ قيمة الاستثمارات اللازمة لتلبية الطلب عليه في تركيا حتى 2023 م نحو 130 مليار دولار، إلى جانب قطاع العقارات لاسيما في إسطنبول التي تعد السوق الأكثر تطورًا في مجال العقارات وتأتي في المرتبة الأولى منذ عام 2009م. كما أفسح المجال أمام المستثمرين في القطاع الزراعي بمشروع جنوب شرق الأناضول إلى جانب قطاع النقل والمواصلات والذي من المخطط مضاعفة سعة الطرق السريعة ثلاثة أضعاف حتى عام 2023 من خلال 12 مشروعًا مختلفًا، فضلًا عن القطاع المصرفي والذي زادت أرباحه بنسبة 50٪ مقارنة مع عام 2008، فضلًا عن قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات؛ حيث يفوق سوق تكنولوجيا المعلومات معدل نمو 220٪ خلال العشرة سنوات الماضية، ويصل إلى 28,1 مليار دولار من العائدات. وتحتل تركيا المرتبة الـ17 كأكبر اقتصاد في العالم، مبينًا بأنها تعتبر الدولة السادسة في الجذب السياحي على مستوى العالم 2015 وتصل عائداتها السياحية أكثر من 35 مليار دولار سنويًّا. ومن أهم الأسباب للاستثمار في تركيا أنها تُعد أكبر اقتصاد في المنطقة بمعدل نمو 5% في آخر 10 سنوات، والأسرع تعافيًّا منذ بداية الأزمة المالية العالمية، وأسرع اقتصاد نموًا في أوروبا وواحدًا من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم فضلًا عن تنامي الأداء القياسي للاقتصاد التركي. وتحتل وكالة دعم وتشجيع الاستثمار التركية المرتبة الخامسة عشر من بين 181 من الوكالات الوطنية لتشجيع الاستثمار في العالم من حيث تقييم الأداء العام، والخامسة في العالم والثانية في أوروبا من حيث التعامل مع الاستفسارات. أما لماذا منح السعوديون هذه الامتيازات للاستثمار ؟ فإن مواقف البلدين المتسمة بالتنسيق والتشاور وتبادل الآراء شكلت محورًا أساسيًّا تنطلق منه، فيما يخص القضايا التي تهم البلدين وتخدم مصالح الأمة الإسلامية سواء عن طريق الزيارات العديدة المتبادلة بين المسؤولين في البلدين أو داخل الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية، وقد أولى البلدان ـ بوصفهما جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية – قضاياها جُلّ اهتمامهما من منطلق إيمانهما بعدالة هذه القضايا، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وما يقومان به من جهود مكثفة لنصرة الشعب الفلسطيني، والوصول إلى تسوية عادلة للنزاع العربي الإسرائيلي. وقد سجّلت الزيارات المتبادلة بين القيادتين السعودية والتركية دليلًا ساطعًا على قوة العلاقات ومتانة وشائجها، منذ الزيارة التاريخية التي قام بها الملك فيصل بن عبدالعزيز – رحمه الله – لإسطنبول عام 1966م في إطار جهوده وسعيه لتوحيد الدول الإسلامية.
أحمد صالح حلبي