المقالات

الجزء الممتلئ من كأس التعليم

  • تطالعنا وسائل الإعلام بين وقت وآخر بأخبار عن بعض ما يقع في التعليم من سلبيات مرفوضة خاصة تلك الأخبار التي يخرج فيها المعلم عن دوره التربوي ويمارس العقاب البدني على طلابه ، ويتم التركيز فقط على الأخطاء والهفوات التي تقع في قطاع التعليم ويتم تناولها إعلامياً بإثارة وتوسع وكأنها الأصل أو أن هذه الصورة هي السائدة فقط في تعليمنا . ورغم رفضنا لهذه التجاوزات من أي معلم تصدر منه إذ ينبغي عليه أن يكون أكثر قدرة على ضبط نفسه مع الاستفزازات التي يواجهها من الطلاب مهما كانت تجاوزاتهم ، فهم وجدوا في المدارس لتعليمهم التفريق بين الصح والخطأ ، وما ينبغي وما لا ينبغي ، وتعليمهم احترام النفس واحترام الآخرين وتعويدهم على شكر من يقدم لنا معروفاً أو يساهم في تعليمنا ، إلى غير ذلك من القيم والمثل التي سيتعلمها الطلاب من خلال وجودهم في المدارس ، ولذلك وجدت المدارس ووجد المعلمون .

    لكن هذه الصور السلبية ليست هي كل مافي الكأس ، ولكنها الجزء الفارغ منه فقط ، والمواقف الإنسانية والنبيلة التي يقوم بها المعلمون تجاه أبنائهم في المدارس والتي تضيق السطور على ذكرها هي السواد الأعظم في مدارسنا ، لكن لا يتم تناولها إعلامياً لأنه من النادر أن يتم إعلانها أو كشفها للجميع ، فغالب من يقوم بها من المعلمين لا يريد نشرها حتى لا يخالطها الرياء ، وهو يبحث عن أجرها عند رب العالمين ، كذلك يتحاشى المعلمون إبرازها كي لا تؤثر على طلابهم . فكم من طلاب حضروا للمدرسة بدون مصروف مدرسي وتكفل بذلك معلم وتعهد طالبا أو أكثر بمصروف مدرسي يومي يقدمه لهم كما يقدم المصروف يومياً لأبنائه من صلبه ، وكم من طالب ظهرت عليه الفاقة من خلال ملابسه وتعهده معلمه بالكسوة الصيفية والشتوية وفي سرية كاملة .وكم من طالب تبرز داخل الفصل أو تقيأ ووجد من معلميه العناية الصحية والنفسية والعناية بنظافته كما يعتني المرء بابن له مرض ويحتاج العناية . وهل سمعتم عن معلم سجل طالبا في حلقات تحفيظ المساجد إما لتحسين قدراته في القراءة أو لاستثمار قدراته في الحفظ وأتم الطالب حفظ كتاب الله بفضل معلمه بعد توفيق الله له .

    وهل يخطر ببالكم أن معلما يقوم بتسجيل طالب في نادي صحي لياقي ويدفع له كامل الرسوم من ماله الخاص لاستغلال فرط الحركة لدى الطالب استغلالا مفيدا .

    وهل بلغكم كم من حالات العنف المنزلي تم اكتشافها عن طريق المعلمين وتم إيقافها بمساعدتهم وتم إنقاذ الأطفال من تسلط أحد الوالدين أو كليهما .

    كم من طالب يعاني في مدارسنا من مشاكل اجتماعية بسبب خلاف بين والديه وبتدخل من المعلم يزول ذلك الخلاف تحقيقاً لمصلحة الطفل الصغير الممزق بسبب خلاف والديه .

    هذا غيض من فيض ، ولو فصلنا في شرح المواقف الإنسانية الرائعة التي يقوم بها معلمونا ومعلماتنا في المدارس ويحتسبون فيها الأجر من الله ، ويخفونها طمعاً في ثوابها ، لاحتجنا للكثير من المقالات ولمزيد من المداد ، ولظهرت صورة التعليم في بلادنا ناصعة البياض ، زاهية مشرقة ، لأن معلمينا ومعلماتنا ينطلقون من ضمائر إنسانية نقية تؤمن بربها وتتمثل أوامره وتجتنب نواهيه .

    لكن النظر إلى المثالب والهفوات يعد تركيزا على الجزء الفارغ من الكأس وتجاهلا للجزء الممتلئ منه.

    سعود مسعود العتيبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى