المقالات

​لِمَ الغرور وفيمَ التكبر؟!

– أنا قوي وما في زول بقدر علي!

– العلم ده أنا وصلته بذكائي واجتهادي!

– أنا جبت المال ده بشطارتي وعرق جبيني.

          عبارات نسمعها كثيراً في مجتمعاتنا، وإن اختلفت ألفاظها وصيغها، فإن ما يجمع بينها جميعاً هو لفظ “الأنا” والاغترار بالذات ورد الفضل إلى النفس!

          فهناك بعض من آتاهم الله القوة والسلطان ينسون أن الحول والقوة بيد الله تعالى الذي اختصهم بهذه النعمة حين حرم منها آخرين، وأنه قادر على أن ينزعها منهم كما نزعها من غيرهم، من أمثال فرعون وهامان والنمرود، فهو وحده مالك الملك، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعزُّ من يشاء، ويذل من يشاء.

وهناك بعض من آتاهم الله علماً، فنسبوا الفضل إلى ذكائهم وعقلهم واجتهادهم، ونسوا أن التوفيق بيد الله وحده، وأن الله تعالى أنعم عليهم بالعقل، ولو سلبه منهم لما استطاعوا أن يفهموا ولا أن يعقلوا شيئاً، فالعلم الحقيقي هو الذي يُورث الخشية من الله جلَّ وعلا، ويُورث التواضع له، وخفض الجناح للناس، وإلا أصبح علماً من علوم الدنيا لا يُنجي صاحبه يوم القيامة؛ لأنه أورث الجحود والغفلة، قال تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) [الروم: 7]. 

وهناك بعض من آتاهم الله الغنى فنسبوه إلى اجتهادهم ونسوا أن هناك من أوتوا أضعاف ما وأوتوا من (شطارة) واجتهاد في تحصيل الرزق، لكنهم لم يوفَّقوا إلى بلوغ الغنى وتحصيل الثراء؛ لأن الرزق بيد الله وحده، وهو الذي يبسطه لمن يشاء ويقدره على من يشاء، من بيده خزائن السماوات والأرض وكنوزها، ومن إذا شاء سلب منهم هذه الأموال التي كانت سبباً في غرورهم وخيلائهم، كما فعل بقارون من قبل، حين خسف به وبداره الأرض!

يُروى أن هارون الرشيد – رحمه الله – طلب ماءً – فقال له ابن السماك – رحمه الله – واعظاً: لو مُنعت شربة الماء بكم كنت تشتريها؟ قال: بنصف ملكي. قال: اشرب هنأك الله تعالى يا أمير المؤمنين. فلما شرب، قال: أسألك بالله لو مُنعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشترى خروجها؟ قال: بجميع ملكي. قال ابن السماك: إذاً لا خير في ملك لا يساوي شربة ماء! فبكى هارون الرشيد!

ورحم الله الحسن البصري الذي قال: (عجبت لمن يتكبر وقد خرج من مخرج البول مرتين)، وقال بعضهم: (وعجبت لمن يتعلق قلبه بمن كان كذلك).

ويُروى أن المهلب مرَّ على مالك بن دينار متبختراً فقال مالك: أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين؟! فقال المهلب: أما تعرفني؟ قال: بلى، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة. فانكسر وقال: الآن عرفتني حق المعرفة!

إن نِعَمَ الله ينبغي أن يُشكر عليها قولاً وعملاً؛ وأن يُردَّ الفضل إليه وحده، وأن تكون مدعاة للتواضع؛ لأن من تواضع لله رفعه، كما في الحديث، وأن تُسخَّر في طاعته سبحانه، لا في معصيته والتعالي على مخلوقاته؛ فإن مزيد الشكر النعم؛ أما الجحود والتعالي، فمحصلتهما الخسران والندم، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

   علي صالح طمبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى