هل الألم والبؤس والحرمان توأم الإبداع. .؟! سؤال ربما خطر على مخيلة كثيرين منا حينما نقرأ قصص حياة الكثير من الأدباء والكتاب والشعراء والفنانين القدامى منهم والمعاصرين؛ فنجد أن العديد منهم عاش حياة ..ألم وحرمان وشقاء .. .تلمس ذلك وأنت تقرأ في سير حياتهم الشخصية والتجارب التي مروا بها في حياتهم التي أحاطها الكثير …أو حينما تقرأ أعمالهم الأدبية من شعر وقصة ورواية التي مزجوها بتجارب حياتهم، وكتبوها بمداد مشاعرهم وأحاسيسهم ومعاناتهم. فجاءت رغم كل مايحيط بها من شقاء وبؤس صور إنسانية رائعة لفظًا وعمقًا ومعنى.. ومرة أخرى نسأل ..هل عبقرية العظماء هي نتاج تجربة الألم والمعاناة التي عاشوها؟! فمنحهم ذلك الألم والمعاناة القدرة على أن يحفروا في جدار اليأس نافذة يطلون بها على العالم من حولهم يمنحون الناس نسمات من عذاباتهم وغذاء لأرواحهم .. يقول الكاتب الإنجليزي الكبير شارلز ديكنز:”لقد تأثرت طبيعتي كلها من الحزن والتحقير اللذين لحقاني؛ نتيجة للأحداث التي مرت بي، حتى أنني الآن وأنا مشهور وسعيد أنسى أحيانا في أحلامي أنني رجل ولي زوجة وأطفال ..وأعود بخيالي إلى تلك الأيام البائسة من حياتي”. نعم..لقد عاش تشارلز ديكنز في طفولته حياة صعبة للغاية عمل خلالها في مصنع للدهانات السوداء ..وتجول في شوارع لندن يسير على غير هدى وهو ابن عشر سنوات ولم يجد من والديه كثيرًا من العناية والاهتمام نظرًا لظروفهم المعيشية الصعبة، ولولا رعاية الله له ورحمته به لأصبح مشردًا في شوارع لندن كما يقول هو..؟! ومن واقع حياته تلك كتب لنا تشارلز ديكنز رواياته العظيمة..أوليفر تويست. .ودافيد كوبر فيلد وغيرها من القصص والروايات التي استمدها من واقع حياته التي اكتنفها البؤس وغذاها الحرمان. فنال بذلك احترام وتقدير كل من عرفه، واستمتع بسحر قلمه وفيض مشاعره. وأديبنا العربي الكبير صبحي الجيار الذي أقعده المرض على سريره لا يستطيع أن يحرك سوى مفاصل أصابع يديه، ولكنه استطاع رغم ذلك أن يعيش حياة خصبة بالإنتاج الأدبي. .وهو يعبر عما صاحب حياته من آلام جسام ..( لقد منحني الله القدرة على أن أمسك بأصابعي بالقلم؛ لأكتب والفرشاة لأرسم رغم المرض الذي غزا كل مفاصل جسدي ..وبهاتين الأداتين..الصغيرتين حفرت ثقبًا في جدار حياتي). نعم لقد تخطى سجن نفسه ومأساة حياته، وجعل من عذاباته وحزنه طاقة إيجابية. .يستمد منها الآخرين الأمل والعزيمة والصبر على الابتلاء. . وتتعدد الأسماء لكثير من الفنانين الذين حولوا معاناتهم الشخصية إلى صور من الإبداع والجمال. .شوبان الموسيقار العالمي الذي بث الناس أرق التنهدات الموزونة كان مريضًا بالتهاب الصدر..ورفيقه في العبقرية بتهوفن كان أصما. .وشاعرنا الكبير ابا العلاء المعري كان أعمى، ورغم هذا صور لنا في شعره وفلسفته أدق سمات الطبيعة. .وغيرهم كثير من الشعراء والكتاب والأدباء. ولعل الإجابة الحاضرة والمختصرة على السؤال السابق … هو ماترنم به الشاعر الفريد دي موسيه ..في قصيدته الرائعة الليالي ( لاشيء يجعلنا عظماء. .مثل الأم عظام)…وغير بعيد عنه. .قول الشاعر الكبير أحمد شوقي:
تفردت بالألم العبقري**وأنبغ مافي الحياة الألم
عبدالعزيز التميمي
تفردت بالألم العبقري
وأنبغ مافي الحياة الألم
سلم يراعك استاذ عبدالعزيز