المقالات

الإيماء والإيباء في الجذور بين (ومأ) و (وبأ)

قد يبدو قولنا (أومأت إليه) مرادفا لقولنا(أوبأت إليه)، وقد يقول آخرون أنهم لم يسمعوا أبدا بالمفردة( أوبأ// وبــأ)، وإليكم فصلا من فصولنا الجذورية يحكي دقّــة اللغة العربية، وأنها في تعابيرها أدق من موازين الذهب.

قال صاحب اللسان في الجذر (و م أ):

ومَأَ إليه يَمَأُ وَمْأً: أَشارَ مِثل أَوْمَأَ. أَنشد القَنانيُّ:

 فقُلْت السَّلامُ، فاتَّقَتْ مِنْ أَمِيرها، * فَما كان إِلاّ وَمْؤُها بالحَواجِبِ

 وَأَوْمَأَ كَوَمَأَ، ولا تقل أَوْمَيْتُ. وقال الليث: الإِيماءُ أَن تُومئَ برَأْسِكَ أَوْ بيَدِك كما يُومِئُ الـمَرِيضُ برأْسه للرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وقد تَقُولُ العرب: أَوْمَأَ برأْسِه أَي قال لا. قال ذوالرمة:

 قِياماً تَذُبُّ البَقَّ، عن نُخَراتِها، * بِنَهْزٍ، كإِيماءِ الرُّؤُوسِ الـمَوانِع

 وقوله، أَنشده الأخفش في كِتابه الـمَوْسُوم بالقوافي:

 إِذا قَلَّ مالُ الـمَرْءِ قَلَّ صَديقُه، * وأَوْمَتْ إِليه بالعُيُوبِ الأَصابِعُ

 أراد بـ(أومت) أي أومأت.

وقال ابن فارس في المقاييس :

الواو والميم والهمزة: كلمةٌ واحدة. يقال: ومَأت إليه وَمْئاً، وأومَأت إيماءً أُومئ، إذا أشرتَ.

وإذا تركت الهمزة فالوامِيَة، وهي الداهية.

أما الجذر (و ب أ): فقال فيه ابن فارس:

الواو والباء والهمزة كلمةٌ واحدة. هي الوَبَاء.

وأرضٌ وَبِئَةٌ على فَعِلة وقد وَبِئَت، وموبوءةٌ وقد وُبِئَتْ.

وقولهم: وَبأْتُ إليه وأوبَأْتُ، أي أشرتُ، من باب الإبدال، والأصل الميم. أي الأصل ( ومأ// و م أ).

وقد أنشدوا بالباء:

 تَرَى النَّاسَ ما سِرنا يَسيرون خلْفَنا    وإنْ نحنُ أوْبأْنا إلى النَّاس وقَّفُوا

أي إذا نحن أشرنا بالتوقف فيقف الناس بسبب إشارتنا.

وقال الفيروزابادي:

وبأ إليه: أشارَ، كَأَوْبَأَ، أو الإِيبَاءُ: الإِشارَةُ بالأصابعِ من أمامِكَ ليُقْبِلَ، والإِيماءُ من خَلْفِكَ لِيَتَأَخَّرَ.

وبذلك نصل الى رائعة من جماليات العربية، وسمة جذورية لا نظير لها في سائر اللغات على الإطلاق:

الإيماء أن تشير إلى من هو أمامك، والإيباء أن تشير إلى من هو خلفك.

وقيل:

الإيمــــــاءُ ، من ( أومــأ) أن تشير بالمطلق إلى أي شخص، وعلى أي وجهٍ كان،

إشارة بالعموم. والإيبــــاءُ من ( أوبــــــأ) إشــارة إلى الخلف خاصة، أي إشـارة إلى من هو خلفك .

فلو كنت سائرا في طريقك وقدّامك زيد، ووراءك عمرو وأشرتَ إليهما فيقال:

أومأتَ إليهما ، وهدا تعبير سليم، وإن شئت قلت:

أومأت إلى زيد، وأوبأت إلى عمرو …

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

=========== 

حاشية: ولكمال الفائدة أنقل ما قاله ابن منظور، صاحب لسان العرب:

وقيل: الإِيماءُ أَن يكونَ أَمامَك فتُشِيرَ إليه بيدكَ، وتُقْبِلَ بأَصابِعك نحو راحَتِكَ تَأْمُرُه بالإِقْبالِ إِلَيْكَ، وهو أَوْمَأْتُ إليه.

والإِيبَاءُ: أَن يكون خَلْفَك فَتَفْتَح أَصابِعَك إِلى ظهر يدك تأْمره بالتأَخُّر عنك، وهو أَوْبَأْتُ. قال الفرزدق، رحمه اللّه تعالى:

 تَرَى الناسَ إِنْ سِرْنا يَسِيرُونَ خَلْفَنا، * وإِنْ نَحْنُ وَبَّأْنا إِلى النَّاسِ وقَّفُوا ويروى: أَوْبَأَنا. قال: وأَرى ثعلباً حكى وبَأْتُ بالتخفيف. قال: ولست منه على ثقة. وقال ابن بُزُرْجَ: أَوْمَأْتُ بالحاجبين والعينين ووَبَأْتُ باليَدَيْنِ والثَّوْبِ والرأْس. قال: ووَبَأْتُ الـمَتاعَ وعَبَأْتُه بمعنى واحد.

وقال الكسائي: وَبَأْتُ إليه مِثل أَوْمَأْتُ. والله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى