لما صعد إليها اهتزت ثلاثة جبال تحت أقدام رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صعد إليها في الحرمين الشريفين، فالأول: جبل أحد، وهو بالمدينة المنورة، والثاني: جبل حراء، والثالث: جبل ثبير، وهما بمكة شرفها الله. فأما جبل أحد:فهو جبل من جبال الجنة كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أحد جبل من جبال الجنة، وقال أيضًا: أحد جبل يحبنا ونحبه كما في حديث أبي حميد رضي الله عنه، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، ثم أقبلنا حتى قدمنا وادي القرى (العلا)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني مسرع، فمن شاء منكم فليسرع معي، ومن شاء فليمكث، فخرجنا حتى أشرفنا على المدينة، فقال: هذه طابة، وهذا أحد، وهو جبل يحبنا ونحبه، رواه الإمام مسلم في صحيحه، ويقع جبل أحد في الجهة الشمالية للمدينة المنورة، وهو جبل زنجفوري اللون، يضرب لونه إلى الزرقة والاحمرار، بديع المنظر، رائع الأثر، يرى الرائي فيه علامات الشوق والحنين، وبساحته كان مدار غزوة أحد التي خاضها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة سنة ثلاث أو أربع من الهجرة المباركة، وأبلى المؤمنون فيها بلاءً حسنًا، وكسرت فيها رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشج رأسه الشريف، واستشهد فيها عمه سيد الشهداء سيدنا حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، وسبعون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم وعلى عمه الكريم حزنًا غير معهود، وكان المشركون قد مثلوا بسيدنا حمزة تمثيلًا بشعًا لم يرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم منظرًا أفظع منه، فصلى عليه وكبر سبعين تكبيرة، ودفنه بساحة جبل أحد، وقد صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبل أحد؛ فتبعه إليه الصديق سيدنا أبو بكر، والفاروق سيدنا عمر بن الخطاب، وذو النورين سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنهم، ولما علاه صلى الله عليه وسلم اضطرب أحد تحت قدميه صلوات الله وسلامه عليه إجلالًا له، أو لإظهار فرحه وابتهاجه بهذا الاعتلاء النبوي الشريف، أو لإعلان مشاعره وحبه للمصطفى المكرم صلى الله عليه وسلم وكل ذلك وارد، فلما اهتز الجبل واضطرب، قال له النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبًا له مخاطبة العاقل الواعي: اسكن أحد، وفي رواية: اثبت أحد، وأخبره أن عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم، وصديق من الصديقين وهو سيدنا أبو بكر رضيالله تعالى عنه وأرضاه، وشهيدان: وهما سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، كما رواه الإمام البخاري في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا، وأبو بكر وعمر وعثمان؛ فرجف بهم، فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان، وروي هذا الحديث أيضًا الإمام أبو داود في سننه عن سيدنا أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه: حدثهم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا، فتبعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فضربه نبي الله صلى الله عليه وسلم برجله، وقال: اثبت أحد، نبي وصديق وشهيدان، ورواه أيضًا الإمام الترمذي في جامعه الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا، وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان، قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح، ورواه كذلك الإمام أحمد في مسنده عن سهل بن سعد رضي الله عنه، ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير أيضًا عن سهل بن سعد رضي الله عنهم، قال: ناشد عثمان رضي الله عنه الناس يومًا، فقال: أتعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحدًا، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأنا، فارتج أحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اثبت أحد، ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان، وصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبل أحد واضطرابه تحت قدميه الشريفتين ثابت وصحيح كما سبق، ولكن لم تشتمل هذه الروايات على تاريخ صعوده صلى الله عليه وسلم متى كان، ولكن من المرجح أن يكون صعود رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبل أحد بعد غزوة أحد على الأرجح؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرتاد أحدًا، ويزور عمه سيدنا حمزة على رأس كل حول، ويزور شهداء أحد الكرام، ويصلي عليهم هناك، ويسلم عليهم ويدعو لهم.
ضياء محمد عطار