عبدالرحمن الأحمدي

الصُّورة أكبر من البرواز .. أيها الطَّائفي

مابين صور تلك الحقيبة السوداء، والمختزلة في جوف عقلك، والمرئية في تموجات عينيك، أأنت تجمع الصور حقا ؟ وتحتفظ بها بحرص ولهفة وكأنها الكنز الثمين بين يديك،أسألك هنا أيها الطائفي النبيل أتحتفظ بالصورة القديمة لأجل حفظها فقط؟ أم تحتفظ بها جدلا لتستعيد بها بعض ما مضى؟أم لتحرك مشاعرنا المتبلدة والمتلبدة بغيوم همومنا من كثرة العناءات العابرة في هذا الكون؟ أعتقد هذا ولم أجزم بعد.. لم يعد من أحاسيسنا إلا بقايا حب.. ولم يعد في خواطرنا إلاحكايات بسيطةتروى.. وأصدقك بمجمل الحديث ما مضى عموماًً لا يعود .. أيها الطائفي المرتحل من قلب أماكن المأنوس إلى ضفاف أطراف سواحل العروس، أسألك مرة أخرى فقد طاب لي مساءلتك أتريد أن تتعبنا لنسكب عزيزَ وغزير الدمع من مقلنا؟ لنسترِح قليلاً من عالمناالجائرالحائر،أم نسترجع معا بعض الذكرى لنحتفل بالألم الجديدالمنهك!! فأنت تذكر تماما أن في الصور القديمة لا نجبر فيها على شد الصفوف الأمامية أو كما يرشدونا جميعا في لحظة الاستعداد الكل يصور على طريقة (تشيز) والآن جبرنا على الضحك في صور شتى.. حين التصوير.. وحين يحل بنا التناقض في قمة حالاته.. وحين الظلم المشاهد في وسط النهار..والواقع في جنح الليل..فشر البلية مايضحك يامحب الصور ودعني أسميك مجنونها.. وفي زمننا العجيب كثرت علينا الإضاءات المحرقة، والفلاشات الساطعة، وأصبحت الصور مملة إلى حد الترف، واسأل ملك الفلاشات كما يزعم في شأنه إن تعرفه، ومن منا لا يعرفه فصوره ملأت الفضاءات الفارغة في كل مكان،حتى تجده عبثا كما وعد معجبيه مرة أن يكون في مقدمة جنبات البيت الآمن، وفي الصفوف الأولى؛حبا في الظهور، وأرجو أني أظن ذلك، وأخشى من الظن “إن بعض الظن إثم”..واصبحت الصورة بلا عنوان إلى حد القرف وإلى حد التخمة، بل أصبح التصوير مع من عرفت ومع من لاتعرف، وأضحى الهوس في أقوى صوره، وحتى صار بالإمكان أخذ صورة مع ملامحك الخارجية لوحدك في غفلة من الفكر، وخلسة من الوقت.وما أكثر الغافلين.

أيها الطائفي المرتحل بعيدا حين تريد أن تلتقط الصور في ظرفنا هذا،فأي صور ترغب في التقاطها؟ وأي صور ترغب الاحتفاظ بها؟أصورة الابن الجاحد الناكر لفضل من تسبب في وجوده؟ أم صورة الأخ المستغني عن أخيه ؟ أم صورة المسافر المغترب قسراً عن مجتمعه؟أم صورة الطفل المهاجر الغارق على ساحل البحر؟أم صور الصديق المتنكر لصديقه؟ أم صور الخل المهاجر لخليله؟ أم صور ذلك المسؤول الذي يحب وطنه لدرجة الوهم..!! مساءات وصباحات مكرورة في زمن نعيبه والمشكلة فينا..في زمن ننتقصه والنقص فينا، علت طموحاتنا كثيرا،وتجاوزت سقف قدراتنا، طغت رغباتنا كثيرا وتخطت المعقول في أفهامنا، زادت أطماعنا كثيرا فتخيلنا إلى أبعد من نظراتنا القاصرة. ياصديقي الفقر نعمة..!! الفقر الصورة الواحدة في ظروفه في أشكاله في صوره كلها، والله حتى في عذاباته صورته واضحة..!!أتدري لماذا؟لأن المشاعر فيمن حولك صافية..المشاعر فيمن حولك واحدة.. ولاتعرف إلا لغة واحدة.. لغة الصدق والحقيقة.. لاسراب تجده..ولا خيال تعرفه.. أيها الطائفي المحترم.

أيها الطائفي الجميل أعذرني فقد أثقلت عليك بحروفي المتأففة بتشاؤمات ساخطة باهتة لا طعم لها ولا لون ولارائحة، ولعلك تجد في صورك القديمة بعض ما يجيب تساؤلات حاضرك المتفائل، فأعرفك جيدا، يسري التفاؤل في روحك المرحة،فعلى الرغم من كل آلام حياتك المرحلية، إلا أنك ماتزال تصمد في وجوه الرياح الغاضبة، فلا تعلم قد يحدث بعد العسر يسرا، وبعد الضيق فرجا، وبعد الكربة نفسا عميقا بعمق ذلك التفاؤل المحمدي الدائم، فالأصل في منهجنا أننا نحب التفاؤل في تفاصيل حياتنا، بل مابعد الأحزان العظيمة إلا تحقيق الآمال الكبيرة، وإن تظن بي خيراً، وأنت كذلك، فأجمل صور يُحبذ الاحتفاظ أيها الطائفي صورٌ استُبدِل من حروف العربية صادُها بسينٍ من عظيم خلود الكلمات.

عبدالرحمن عبدالقادري الأحمدي

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى