المقالات

أفضل معلمة في العالم

وأنا أتابع الحفل الذي أقيم في دبي برعاية سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتكريم السيدة حنان الحروب الفلسطينية الفائزة بجائزة أفضل معلمة في العالم، والتي منحتها إياها مؤسسة (فاركي) البريطانية المهتمة بتطوير التعليم. وكان من بين الحضور بابا الفاتيكان ودوقة كامبردج..والرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ..وغيرهم من الشخصيات … تساءلت. .ماهو الدافع الذي جعل هذه المعلمة البسيطة تحقق هذا الإنجاز وتتفوق من خلاله على أكثر من (8) ثمانية آلاف معلم ومعلمة من جميع أنحاء العالم؟ تناسوا على نيل هذه الجائزة الكبرى في مراحلها النهائية، ومن بينهم معلمون ومعلمات من دول متقدمة في مجال التعليم مثل أمريكا وأوروبا واليابان والهند والصين وأستراليا. . ماهو الحافز الذي جعل هذهِ السيدة التي جاءت من وسط المخيمات الفلسطينية؛ حيث تعيش مع أسرتها مثلها مثل آلاف اللاجئين الفلسطينيين حياة في منتهى البؤس والفقر والبطالة والحاجة الماسة لأبسط حقوق الإنسان في العالم. .؟! وكان السؤال..هو..الجواب. .فهذه السيدة التي عاشت مأساة أهلها منذ عام 1948م..بعد الاحتلال الصهيوني لبلادها. .عاشت كما عاش غيرها من الفلسطينيين أوقات صعبة مليئة بالخوف والألم والصبر والكبرياء. … ولكنهم واجهوا هذا الواقع المرير بمزيد من التحدي والمثابرة. ووضعوا لأنفسهم هدف عظيم هو أن يجعلوا من (التعليم) والمعرفة طريقهم نحو الخلاص والخروج من طوق القهر وكل الظروف المعيشية والاقتصادية والأمنية التي يعيشونها؛ حتى أصبح الإنسان الفلسطيني مضرب المثل في نسبة ارتفاع التعليم التي بلغت نحو 92 في المائة منهم، وهي نسبة عالية بكل المقاييس الإقليمية والعالمية. حينما تخرجت السيدة حنان الحروبمن الجامعة عام 2005م، وانخرطت في سلك التدريس للمرحلة الابتدائية، رفعت شعار (لا للعنف) في التعليم .. ووظفت كل جهودها لمنع ممارسة الضرب ضد الطلاب خاصة في المرحلة الابتدائية، وكان هدفها الرئيسي والمستمر هو تنمية الثقة والاحترام والأمانة والعلاقات الرحيمة بين الطلاب ومعلميهم وتشجيع القراءة والعمل الجماعي، والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة ومكافأة السلوك الإيجابي لدى الطلبة. كما عملت على إيجاد مفهوم خاص للتعليم يراعي مايعيشه التلاميذ الفلسطينيين..من حياة صعبة من جراء الاعتداءات الصهيونية اليومية على قراهم ومخيماتهم. تقول حنان الحروب وهي تشرح فكرة (التعليم باللعب) التي فازت من خلالها بالجائزة الكبرى في العالم. ..إن هذه الفكرة انبعثت لديها وهي تشاهد الآثار النفسية التي يعاني منها الأطفال الفلسطينيين الذين انعكست الأوضاع الأمنية الصعبة سلبيًّا على نفسياتهم وتصرفاتهم فالطفل الفلسطيني تحديدًا لا يكاد يشعر بطفولته من جراء مايراه ويعايشه من أحداث القتل والعنف والاعتداءات اليومية التي تقوم بها قوات الاحتلال الصهيوني داخل المخيمات وأحياء المدن والقرى. بل إنها هي شخصيًّا مرت بتجربة قاسية حينما تعرض أطفالها وأبيهم لإطلاق نار من قبل القوات المحتلة وهم عائدون من المدرسة إلى المنزل ..وقد أصيب والدهم بإصابات بليغة وعاش أطفالها أيامًا صعبة من جراء هذا الاعتداء الغاشم؛ مما حدا بها للتفكير بطريقة إيجابية لإخراج أطفالها من حالة الخوف والرعب التي مرت بهم. فكانت بداية تجربة (التعليم باللعب) …التي نجحت من خلالها بمساعدة أطفال الجيران من إخراج أطفالها من الحالة النفسية السيئة التي يعيشونها، ثم بدأت في تطوير الفكرة وتطبيقها على تلاميذ المدرسة التي تعمل بها ..ثم انتشرت الفكرة ولاقت قبولًا واستحسانًا لدى المعلمين والمعلمات في مدارس الضفة والقطاع. ….إذا الحافز هو مساعدة أبناء مجتمعها. .لقد آمنت حنان الحروب أن لديها دورا يجب أن تقوم به وتعمل من أجله وتسعى لتحقيقه وجعل الآخرون يساهمون في صنعه ونجاحه… فنجحت ونجحت الفكرة، وفازت في مجتمعها البسيط قبل أن تحظى بالفوز خارجه.. وهكذا هي الأفكار الإيجابية، ونعود مرة ثالثة ورابعة وخامسة للسؤال. .الذي بدأنا به موضوعنا . .لماذا فازت حنان الحروب بهذه الجائزة العالمية؟ والإجابة ببساطة أن هذا الفوز يكشف عن الينابيع التي يفجرها الله سبحانه وتعالى في قلب الإنسان منذ طفولته لكي تغسل كل المرارات والأحزان التي يقابلها في حياته… إن الصفحة الأولى في حياة هذهِ السيدة الفلسطينية تعطي دروسًا لأولئك الذين يرغبون أن يصنعوا شيئًا جميلًا لمجتمعاتهم رغم كل الهموم والآلام التي تحيط بهم. لقد حملت حنان الحروب بين جنبيها إرادة صلبة واجهت بها كل الصعاب المستحيلات اليومية في حياتها .. وكأنما هي تقول للعالم ..نعم نحن الفلسطينيون لقد صنعنا هذا وحفرنا الجبل بأظافرنا فاسمعونا. إن حياة حنان الحروب قصة تروى؛ لأنها تقول لنا أيضا أن المصاعب في الطفولة قد تدفع للانحراف والعزلة وخواء النفس..وخراب الروح. ولكن هذهِ المصاعب قد تكون أيضًا المدرسة والجامعة التي يتخرج منها نساء ورجال قادرون على أن يحققوا لمجتمعاتهم الكثير من انتصار على النفس وعلى قسوة الحياة والظلم .. إن قصة نجاح حنان الحروب. .هي قصة كل إنسان مكافح يشق طريقه في الصخر حتى يصبح له دورًا في الحياة….قصة تستمد روعتها وجمالها من عمق التجربة التي تمنح الإنسان القدرة على اختراق المستحيل والظلم والقهر ..إنها قصة فرد من أمة عظيمة يبذل كل قطرة من دمه ورقة في سبيل أن يتعلم ..نعم التعليم هو مفتاح السر الذي يمسك به الشعب الفلسطيني بيده ويفتح به أبواب المستقبل الذي يحاول الاحتلال إغلاق منافذه عليهم ..فلا يقدر. وهو ماعبرت عنه حنان الحروب في كلمتها أمام المحتفلين بها مرددة كلمات الشاعر محمود درويش..من قصيدة حصار.. (هنا عند منحدر التلال.. أمام الغروب ..وفوهة الوقت قرب بساتين مقطوعة الظل نفعل مايفعل السجناء، ومايفعل العاطلون عن العمل نربي الأمل هنا عند مرتفعات الدخان على درج البيت لا وقت للوقت نفعل ما يفعل الصاعدون إلى الله ننسى الألم). وبعد فهذا الحدث يعبر بعمق عن هذه الرسالة. .أن نربي الأمل. بقي سؤال يلح على مخيلتي. .لوفاز لاعب كرة قدم. .أو مغني ..بجائزة كبرى. .ماذا كانت ستفعل القنوات الفضائية ووسائل الإعلام العربية ؟!…وماذا فعلت نفس هذه الوسائل اليوم لحنان الحروب وهي تفوز بهذه الجائزة العظيمة ….؟!! إنه مجرد سؤال.

عبدالعزيز التميمي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقالة ممتازة للاستاذ عبدالعزيز التميمي في مكة الالكترونية عن أفضل معلمة في العالم..
    وأتساءل معه: لو ان الفائز مطرب او مطربة او لاعب كرة… ماذا كانت ستفعل فضائياتنا ..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى