#بورتريه
(مكة) – لا يزال الكاتب المصري الراحل علي سالم يشغل مساحة لا يمكن تجاهلها في وعى المثقفين العرب بالرغم من رحليه على الدنيا في سبتمبر الماضي .
فعلى سالم الذي كتب ” مدرسة المشاغبين ” ، وهى واحدة من أبرز الأعمال المسرحية في تاريخ المسرح الكوميدي العربي ، لم يتوقف يوما عن مشاغباته حتى فارق الدنيا ولم تفارقنا أعماله .
لكن المفارقة هى أن الكثيرين من الذين يستمتعون بما كتبه على سالم ويضحكون من المواقف التي تجري على لسان أبطاله لا يعرفون أن علي سالم مر في حياته بمواقف بالغة في الصعوبة وعانى من شظف العيش والفقر الشديد في طفولته وشبابه .
فعلي سالم الذي عرفه قرائه على أنه كاتب كبير بدأ حياته كمحصل للأجرة في شركة النقل العام في مصر ، حيث كانت وظيفته كمحصل أو ” كمساري ” نافذته الأولى على التناقضيات البشرية التي كتب عنها والتقطها من وسط الزحام الذي تشتهر به سيارات النقل العام في مصر .
رجل عصامي
ويمكن القول إن علي سالم، الكاتب المسرحي، والأديب الساخر رجل عصامي، عمل في بداية حياته “كمسري” ومحصل أجرة في أتوبيسات نقل عام، بل وسائق لـ “طفطف”، وهو عربة صغيرة كانت تنتشر في الستينات بالإسكندرية، لذلك يوصف بأنه “رجل عصامي”، تمكن من صناعة نجاحه بجهده الشخصي وقهره لمعوقات الحياة.
فعلي سالم، ولد في أسرة فقيرة تضم عشرة أفراد، وكان أكبر الأبناء، لوالد كان يعمل شرطيا، لكنه مثقف ورسام موهوب، والأم سيدة مصرية بسيطة تفرغت لتربية أبنائها الثمانية. اضطر علي للعمل مبكرا وهو لا يزال طفلاً، ثم فاجأه القدر برحيل الأب، قبل أن يكمل عامه الحادي والعشرين، تاركاً له حملاً ثقيلاً، فكان الأب بالنسبة إلى إخوته، وأجبرته الأوضاع المالية الصعبة للأسرة على أن يتوقف لسنوات عن استكمال دراسته الجامعية.
ولد علي سالم عام 1936 في حي شبرا البلد، في قليوب بمحافظة القليوبية بدلتا مصر، وكانت ضاحية من ضواحي القاهرة الكبرى، انتقل مع أسرته إلى محافظة دمياط وكان عمره 4 سنوات، فأصبح دمياطيا، وهي محافظة لها طبيعة خاصة، تغرس في النشء ثقافة العمل الدائم منذ الصغر، حيث يدرس الطلاب بالشتاء ويعملون في الحرف المختلفة بالصيف، فعمل منذ أن كان صبياً في عدة مهن.
انتقل علي سالم مع أسرته إلى محافظة بني سويف بصعيد مصر نهاية 1956، ثم التحق بالجيش لأداء الخدمة الإلزامية كجندي في سلاح الإشارة، إلا أن وفاة والده عام 1958 أعفته من استكمال مدة التجنيد، بعد أن أصبح المسؤول الأول عن أسرته، وهو في سن الـ22، خرج من الجيش ليواجه الظروف المادية الصعبة لأسرته، وقتها لم يكن قد أكمل تعليمه في كلية الحقوق التي التحق بها عام 1957 ليعمل بوزارة الصحة بقسم الحسابات العمومية بالقاهرة، وفي عام 1959 التحق بكلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية جامعة القاهرة لكنه عاد وأجبر على التوقف عن الدراسة. هذه الحياة الصعبة في مسيرة على سالم مكنته من الغوص في عمق المجتمع المصري، والاحتكاك بطبقاته، ليقدم خبراته فيما بعد، في صورة أعمال مسرحية وكتابات فكاهية رسمت البسمة على شفاه ملايين المصريين والعرب، فهو كاتب مسرحية “مدرسة المشاغبين” و”الرجل الذي ضحك على الملائكة” وغيرهما من الأعمال التي بلغت 40 مسرحية، و15 كتابا ورواية.
ضحكات واتهامات
كانت مسرحية “ولاد العفاريت الزرق”، هى أولى مسرحيات علي سالم، لكن “مدرسة المشاغبين”، هي المسرحية التي حظيت بنجاح منقطع النظير، لتجعل من علي سالم نجماً في سماء المسرح والمجتمع المصري آنذاك، ومع أنها تزال تثير ضحكات ملايين المصريين، إلا أنها أيضا المسرحية المتهمة بهدم منظومة الأخلاق في التعامل بين المعلم والتلميذ في مصر، وقد تعرض علي سالم لاتهامات مريرة، قالت إنه ساهم في هدم منظومة التعليم، لما تركته المسرحية من أثر سلبي في عقول التلاميذ دفعت كثيرين لمحاكاتها في فصول الدراسة، بالسخرية من المعلم وفقدانه للهيبة، لكن علي سالم مؤلف المسرحية رد على تلك الاتهامات بالقول: “هذه مبالغات، فلا يمكن لمسرحية أن تفسد شعبا أو أن تصلح شعبا”.
أنتج علي سالم، قرابة 15 كتابا و40 عملا مسرحيا، لم تخل من اعتراض ومنع الرقابة وخاض علي سالم الضدام السياسي مع السلطة بدأ عام 1968 في عمل “الرجل الذي قتل الوحش”، وهي تناقش العلاقة بين الشعب والحاكم وتدور أحداثها حول كرسيين كرسي الحاكم ووزيرة الحاشية وتم وقف العرض بعد أسبوعين.
رجل المتناقضات
ويرى علي سالم الذي يصفه القوميون العرب بـ”المطبّع الأول” مع إسرائيل، أن الرئيس المصري الراحل محمد أنو السادات، رجل داهية، لأنه قام بمبادرة سلام عبقرية مع إسرائيل، ويصف مبارك بالرئيس الذي لم ينجز شيئا، مقارنة بالسادات لذلك ترك سيناء بلا تعمير، لتكون ساحة بديلة لمعارك يرى مبارك أنها قادمة لا محالة.
في نهاية عام 1993 وبعد إعلان اتفاقية أوسلو مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين أعلن أنه يفكر في زيارة إلى إسرائيل بسيارته لتأليف كتاب يجيب عن سؤالين: “من هم هؤلاء القوم؟ وماذا يفعلون؟” ونشر مقالاً في مجلة الشباب المصرية بعنوان “السلام الآن” قال فيه إن الاتفاق بين الفلسطينيين والإسرائيليين يشكل لحظة نادرة في التاريخ، إنها لحظة اعتراف الأنا بالآخر، أي أنا موجود وأنت أيضا موجود، الحياة من حقي ومن حقك الحياة.
وفعلا فعلها علي سالم الذي يوصف برجل المتناقضات فهو أول أديب عربي يزور إسرائيل بالرغم من أنه له أخا شهيدا في حرب يونيو حزيران عام 1967 م بين العرب وإسرائيل ، ففي الحادية عشرة من صباح الخميس 7 أبريل 1994، بدأ رحلته مستقلا سيارته “النيفا” الخضراء، من العريش إلى رفح ومنها إلى إسرائيل، وقبلها بيوم جاء من القاهرة وقضى ليلة بفندق بالعريش، قبل أن يصل في اليوم الثاني إلى تل أبيب ، ثم سرد سالم أحداث رحلته ولقاءاته مع إسرائيليين في كتاب رحلة إلى إسرائيل. بعد صدوره في مصر تم ترجمة الكتاب إلى اللغتين العبرية والإنكليزية حيث صدر أيضا في إسرائيل وفي بلدان أخرى.
منذ زيارته إلى إسرائيل كان سالم من أشد المؤيدين للتطبيع مع إسرائيل من بين الأدباء العرب، ولم يتنازل عن موقفه هذا بالرغم من الإدانات التي نشرت ضده في الصحف والمجلات المصرية والتي انتهت بمحاولة لطرده من جمعية الأدباء المصرية وقد فشلت المحاولة لأسباب قضائية، ولكن الأجواء العدائية تجاه سالم ما زالت سائدة بين عدد من زملائه.
وفي يونيو 2005 قررت جامعة بن غوريون في النقب الإسرائيلية، الواقعة في مدينة بئر السبع جنوبي إسرائيل، منحه دكتوراة فخرية. أما السلطات المصرية فمنعت منه الخروج من مصر لحضور الحفل في بئر السبع دون أن تعلن السبب لذلك. أعرب سالم والجامعة الإسرائيلية عن عدم ارتياحهما لمعاملة السلطات المصرية معه ، ثم فاز بجائزة الشجاعة المدنية والتي تقدمها مؤسسة تراين الأمريكية، وقيمتها 50 ألف دولار أمريكي وتسلمها يوم الأربعاء19 نوفمبر2008 بمقر إقامة السفير الأمريكي بلندن.
من أعمال على سالم : الناس اللي في السماء الثامنة ،ولا العفاريت الزرق ، الرجل اللي ضحك على الملائكة ، حدث في عزبة الورد ، طبيخ الملائكة ، أنت اللي قتلت الوحش – كوميديا أوديب ، مدرسة المشاغبين ، عفاريت مصر الجديدة ، الملوك يدخلون القرية ، العيال الطيبين ، أولادنا في لندن ، بكالوريوس في حكم الشعوب ، عملية نوح
الكلاب وصلت المطار ، خشب الورد ، البترول طلع في بيتنا ، البوفيه ، بير القمح ، أغنية على الممر ، الكاتب في شهر العسل ، الكاتب والشحات ، المتفائل ، الملاحظ والمهندس .
عمل جميل تنفذه الصحيفة
معلومات شاملة عن علي سالم رحمه الله بعيدآ عن تأيدنا لجهوده في التطبيع مع اسرائيل الا انه اديب وكاتب ومكافح انتجت عصاميته كل هذا الثروة من الفكر