المحلية

تسطیح التدين وتوظيفه لأهداف ذاتية

بغض النظر عن مدى دقة هذه الدراسة، ولا سيما أنها لم تدخل نحو مجتمعاتنا ولم تكن عينتها دقيقة، إلا أنها تحمل دلالات ومؤشر توضح أن هناك استغلالاً للدين وهو استغلال منظم آخر اهتماماته التربية والأسرة، بل عدم الأخذ بالتوجيهات الربانية الحقيقية الداعية للتسامح والمحبة والإيثار.

لا تخطىء العين، من دون شك، رؤية استغلال الدين، ووجود منظمات وجماعات متطرفة تسعى بلا كلل أو ملل إلى توظيفه لخدمة أهدافها وتطلعاتها.

ولا ريب في أن النجاح في الظهور أمام الناس بمظهر المتدين فيه انتهازية للعاطفة الدينية لدينا جميعاً، وهو ما يجعل لخطابات الكراهية ونشر التطرف قبولاً ومتعاطفين.

غير أن المعضلة الحقيقية أن من يزعمون التدين من أرباب الإسلام السياسي هم الأكثر فشلاً في تطبيق تعاليم الدين، ليس على المستوى الشخصي وحسب، بل حتى في النواحي الأسرية وتجاه حاجات أطفالهم التربوية. وهذه الملاحظة ليست خاصة بدين دون سواه، بل إنها تكاد تكون عامة في جميع الأديان.

ثمة بحوث ودراسات علمية تناولت هذا الجانب، ولن يكون آخرها تلك الدراسة التي نشرت نتائجها في مجلة

 (Current Biology) ، والتي جاء فيها: “أن الأطفال الذين ينشؤون في بيوت غير متدينة، عادة ما يكونون أكثر كرماً وإيثاراً من الأطفال الذين ينحدرون من أسر محافظة – متدينة – حيث وجدت سلسلة من التجارب التى أجريت على 1170 طفلاً ينتمون إلى مجموعات متنوعة من الخلفيات الدينية، أن الأطفال الذين ينتمون إلى أسر غير متدينة كانوا أكثر احتمالاً لتبادل الملصقات مع زملائهم وأقل احتمالاً لتبني عقوبات قاسية تجاه الأشخاص الذين يصطدمون مع الآخرين”.

الفريق بحث هذه الدراسة، الذي قادته جامعة شيكاغو، قام بإجراء تجربة أطفالاً ينتمون إلى سبع مدن في جميع أنحاء العالم، وهي شيكاغو وتورونتو وعمان في الأردن وأزمير وإسطنبول في تركيا وكيب تاون في جنوب إفريقيا وقوانغتشو في الصين، وكان جميع الاطفال تتراوح أعمارهم بين 5 و12 سنة.  كان من بين الأطفال الذين تم إجراء التجربة عليهم، 24% ينتمون إلى أسر مسيحية، و43% ينتمون إلى أسر مسلمة، و5.2% إلى أسر يهودية، و 6.1% وغيرهم،  بالإضافة إلى ذلك كان هناك 28% من الأطفال الذين ينتمون إلى أسر تم وصفها بأنها غير متدينة.

الغريب أنه عندما قام الباحثون بدراسة أكبر ثلاث مجموعات من الأطفال- المسيحيين والمسلمين وغير المتدينين- وجدوا أن نسبة الكرم التي كانت لدى كل من المسيحيين والمسلمين هي ذاتها تقريباً، ولكن هذه النسبة لدى الأطفال غير المتدينين كانت أعلى بحوالي 23% إلى 28%. ومع الأسف أيضاً وجد الباحثون أنه كلما زاد تدين الأسرة، قلَّ الإيثار والكرم لدى أطفالها، وكان هذا النمط موجودأ لدى جميع الديانات التي شملتها الدراسة.

وبغض النظر عن مدى دقة هذه الدراسة، ولاسيما أنها لم تدخل نحو مجتمعاتنا ولم تكن عينتها دقيقة، إلا أنها تحمل دلالات ومؤشر توضح أن هناك استغلالاً للدين وهو استغلال منظم آخر اهتماماته التربية والأسرة، بل عدم الأخذ بالتوجيهات الربانية الحقيقية الداعية للتسامح والمحبة والإيثار، وبطبيعة الحال توجد الكثير من الدراسات الأكثر دقة التي أظهرت عمق الأديان السماوية وأثرها الإيجابي، خاصة لديننا الحنيف الإسلام. لكننا نعلم أن هناك اهتماماً بالقشور والسطحيات، وقد كانت على حساب العمق الحقيقي لديننا الحنيف والأديان السماوية الأخرى .

فاطمة المزروعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى