دائماً عندما أدلف إلى مناسبة ما أجدني أتأمل الوجوه وأتفرس في ملامح الناس التي يعلوها الخجل تارة .. وتارة أخرى تكون جريئة ولها حضورها المميز. وفي عمق تأملي وجدت الناس في المناسبة أقسام .. بعضهم يفضل الجلوس وحيداً والبعض الآخر يأخذ أعز أصدقائه ويجلس في مكان بعيد لكي يحلو له الضحك والسمر .. وآخر يقف بجوار أصدقائه وينظر للآخرين بكبرياء وكأنهم لا يعنون له شيئاً. غريب أمر المناسبات .. تجد فيها كل الأطياف، وترى الحديث يسابق المتحدثين، والكلمات تفوح من العابرين، والضحكات تعلو الحاضرين، والتزلف يظهر منه شيء على بعض الباقين. أما برتوكولات المناسبات فهي عالم آخر، فتجد البعض يقدسها ويغضب إذا لم تطبق وفق ما يريد، وتجده متكلفاً تعلوه ابتسامة صفراء، وفي عينيه قلق شديد خوفاً من أن يخطئ أحدهم في البروتوكول المعد لتك المناسبة. والحاضرون للمناسبات لهم عدة نيات، فبعضهم حضر لأن أهل المناسبة حضروا مناسباته، وبالتالي هو يكافئهم بحضوره، والبعض حضر لأنه دعي، ومن ذوقه العالي لبى هذه الدعوة كي يشارك الآخرين أفراحهم، والقلة حضروا لأن هذا الفرح ستدق فيه الطبول وتغني الحناجر، وبالتالي الكثير من المرح هناك .. ولذلك تحتم عليهم الحضور، وهناك من يحضر لأن هذه المناسبة سيحضرها رجل الأعمال الفلاني والمسؤول الفلاني، فهي فرصة لكي يتزلف ويصنع العلاقات المبنية على مصالح مادية بحتة ويقترب من ذلك وذاك، وآخر حضر لأن صديق صاحب الدعوة دعاه ولديه حيز من الفراغ، فلماذا لا يحضر حيث البهجة والمتعة والعشاء المجاني. ومن الأشياء الممتعة في المناسبات أنك ترى في إحدى زوايا المكان مجموعة من الرجال الطاعنين في السن حيث هيبة الزمن تعلوهم وروعة المكان تحفهم، وعندما تلتفت إلى الزاوية الأخرى تجد الأطفال يلعبون ولا يهتمون بشيء، يركضون فقط نحو الغد الجميل، وربما لو سألت بعضهم لماذا جئت إلى هنا، سيقول لك جئت مع أبي أو أخي، ويركض بعيداً عنك وعن جنون فضولك. والمناسبة هي مكان للفرح وموقع للتلقائية، فإذا كان الإنسان في عمق المناسبة يمشي كالرجل الآلي ويتحرك بطريقة فيها الكثير من التكلف، ولا يعرف الضحك له طريقاً بدعوى أن هذه مناسبة، وأنه لابد له من أن يظهر نفسه بشخصية صارمة، ويستغرب من ضحكات الآخرين، فهذا وأمثاله مكانهم حتماً ليس في هذه المناسبة وعليهم أن يبحثوا عن مناسبات أخرى كالعزاء مثلاً.
حمد عبدالعزيز الكنتي