أكثر تصريفة يقولها أي مسؤول لطابور العاطلين من الشباب :”ابدأوا من الصفر وتأملوا سيرة كبار رجال الأعمال وكيف كانت بداياتهم؟!” انتهى. ولكن عندما نسقط ذلك الكلام على الواقع نجده رغم وجاهته ليس أكثر من هروب من واقع المشكلة، فالشاب الذي سهر وتعب حتى حصل على الشهادة لم يكن ليفعل ذلك ليقف على رصيف البطالة، وإلا لكان أخذها من قاصرها فالبطالة في الأصل لا تحتاج إلى مؤهلات. ولعل فيما تم تداوله في هذه الأيام بشأن طبيب الأسنان الحاصل على شهادة البكالوريوس، والذي لم تسعفه وثيقته إلا لحجز مكان في طابور البطالة، وسعى للبحث عن وظيفة مهما كانت حتى وإن كانت لا تحتاج إلى أكثر من “قرأ ودرس” فها هو يقدم على وظيفة “معقب” وبراتب زهيد، وليضع كل سهر الليالي والقديم والجديد في طب الأسنان على ذات الرصيف الذي حفيت عليه قدماه، وهو ينتظر فرصة وظيفة تليق بما يحمله من مؤهل .
كم هو محزن بحق! وهو يحمل ملفه الأخضر ليقدم على وظيفة لا تناسب مؤهله، وفي طريقه يمر على عدد من مستوصفات الأسنان إن لم تكن من ألفها إلى يائها عمالة وافدة، فلا أقل من 80% من كادرها أجانب ! بينما هذا الطبيب وأمثاله لا يجدون موطئ قدم لوظيفة في وطنهم وهم يملكون مؤهلاتها، ومع ذلك يتكرر عليهم صباح مساء موال قصص الكادحين الذين عملوا إمبراطورية ثراء من بيع الشاي . هكذا بكل برود يطلب من شبابنا أن يتخلوا عن ثمرة جهد السنين وسهر الليالي، تلك الوثيقة التي لم يدر بخلد أحد منهم أنها ليست “بوثيقة”، ولا أدل على ذلك من وجود كم كبير من شبابنا يعملون في أعمال لا علاقة لها بما يحملونه من مؤهلات، ولكنه مُسكن “طب طب ليس يطلع كويس” حتى وإن كانت الحقيقة أبدًا مو كويس. فهذا الطبيب والذي قوبل طلبه بالرفض عندما قدم على وظيفة “معقب”، ومن رفض ذلك موظف من جنسية عربية كان أكثر صدقًا مع ذلك الطبيب، فكيف لطبيب أن يعمل “معقب”! فكم نحن بحاجة إلى أن يأخذ كل مسؤول دفع بذلك الطبيب إلى هذا المصير؛ أن يأخذ دورات عند ذلك الموظف لعله يفيق من لزمة “التطنيش” التي فاقمت أزمة البطالة وغذت بكل فيتامينات النمو طابور العاطلين، الذي يزداد طولًا يومًا بعد يوم .
أيها المسؤول يا من تتجاوز عن مثل هذه النماذج، لا أعلم كيف لك وأنت تروح وتجيء إلى وزارتك أن يغيب عن ذهنك صورة ابنك في وجوه كل هذا الكم من العاطلين ؟ وكيف يغيب عن ثاقب علمك صورة هذا الطبيب ومدى ما يعيشه من إحباط، وهو يرى وظيفته التي يملك مؤهلاتها بيد وافد لا أنقم عليه بذاته، ولكن المسؤولية تقع على عاتق من تجاوز أبناء الوطن المؤهلين ووقع على أمر استقدامه .
شبابنا أولى بوظائف بلدهم موجز الخبر وتفصيله، وهو ما أود التأكيد عليه بدل المرة بلا حدود من المرات، فكم هو مؤلم أن تمر فترة الشباب على أبناء وطننا وليس لهم معها إلا ذكريات البطالة، وملازمة الملف الأخضر، وقصاصات أرقام المراجعة ! نحب وطننا ومن حبه نحب أن يبنى بسواعد شبابه، فهم أبقى له سلمًا أو حربًا؛ فهل من صولة حزم تحيل بطالة شبابنا وكل دواعيها إلى النسيان ؟ قولوا يارب وفال البطالة علاج.
خالد مساعد الزهراني
للأسف أستاذ خالد البلد موعود بسيل من المبتعثين والمبتعثات العائدين لوطنهم ولن يجدوا إلا ما وجده خريجي وخريجات جامعات الداخل ومن سبقهم من مبتعثين من اصطفاف في طابور البطالة الذي يكاد لاينتهي وإن خدمت الظروف بعضهم بالحصول على وظائف فهي في الغالب ليس بينها وبين تخصصاتهم أي رابط .