لُجة الأيقونات-
منطق الطير: “الصدق ألا يكذب اللسان، والصدّيقيّة ألا يكذب القلب”- مالك بن دينار.
يُخيل لك في الفاتح من أبريل من كل عام أن العالم وردي!! وأن الناس جُبلة على الصدق فلم تجد فكاكًا من تلك الحالة “الروتينية” إلَّا امتهان الكذب ليوم واحد!!، فتتلون الكذبات وتتباين، ما بين كذب أبيض وآخر أسود!! ونوع ناعم وآخر خشن!! وبعضه لطيف ومنه المرعب!! تتقاذفه العامة والخاصة، وزاد حضورًا مع مشاعية الوسائط والشبكات والفضاءات التواصلية، ويتعاظم شأن الكذب في أمة مأمورة بالصدق، حتى عد كل شيء يمكن أن يفعله المؤمن إلاّ الكذب.
لا تتمثل الخطورة في الكذب ذاته بكونه فعلًا موبقًا، وإنما تدحرج ذلك الكذب إلى كرة كبيرة من الشائعات، فيغفل الكثير من “الكذابين” عن الفارق الجوهري بين الكذب والإشاعة، فلا يتوقف الأمر عند تزييف الحقائق وخلق أحداث غير موجودة بقصد الخداع والمزاح، وإنما يتطور الأمر إلى توظيف الكذب لتحقيق أهداف ومآرب تنخر بنية المجتمع وتهدد استقراره، فيتحول الفرحون في ذلك اليوم العابر إلى أدوات هدم مستمر بقية السنة، في غفلة من الأمر ودون وعي. مقابل ذلك؛ حتى من يترفعون عن هذه العادة السيئة كثير منهم لا يعون كنه الصدق، فالصدق ليس مجرد تضاد الكذب، وتصديق الكلام ومطابقة الحقيقة، وإنما يتجاوز ذلك إلى مطابقة الأقوال الأفعال، وتوافق القلب واللسان، أو كما وصفه الراغب الأصفهاني: (الصدق: مطابقة القول الضمير والمخبَر عنه معًا، ومتى انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقًا تامًّا)، فكم من متوهمٍ صدقًا، صادق في قوله كاذب في فعله!!، يدلس بقصد أو غير قصد على الناس فيغدو أخطر من الكاذب نفسه.
إن المسألة لا تتعلق باستنكار الكذب في أول أبريل، أو حتى استنكار الكذب بقية السنة، فالكذب وإن جرى على ألسنة الناس يظل فعلاً مستنكرًا حتى من الكاذب نفسه، وتحدثه النفس اللوامة بضرورة تركه، ويبقى فعلاً شائنًا يبغضه المجتمع ويجاهد على محاربته -وإن تساهل-. فالكارثة في الصدق المغلف بكذب الفعل وعدم صفاء سريرة القلب؛ إذْ علينا جميعًا الحث على الصدق التام والتنبيه على خطورة الصدق الجزئي، فكم من مقتل وخراب يتأتى في هيئة الصدق..
خبر الهدهد: في فمي ماء.
عبد الحق هقي