إن الأضرار الكبرى التي ألحقها الإرهاب بالعمل الخيري كانت تفوق الوصف ونتائجها لم تكن تحتمل، فقد قام الإرهابيون باستغلال الحب الفطري لأعمال الخير في نفوس البسطاء والتسويق بشدة لفكرة “السريةّ” و”الخفاء” في استلام وتسليم وصرف المال تحت شعار أن “الصدقة الخفية أفضل وأقرب إلى الإخلاص” وهي بالتأكيد “كلمة حق أُريد بها باطل”، وقد أفرزت هذه الاستراتيجية الشريرة نتائج كارثية كبرى، فكم من محسن مسكين سقط بين براثنهم، وكم من منفق أنفق ماله تلفًا عندما أسلمه لمن لا يخاف الله ولا يرقب في مؤمن إلًا ولا ذمة. إن تلك اللعبة الخبيثة التي استخدمها هؤلاء الفسقة، والذين يهدفون لتخريب النظام وزعزعة الأمن وتغييب الأمن عن المجتمعات قد أخرجت العمل الخيري عن سياقه القويم، وأحدثت في النفوس شبهةً حامت حول القائمين عليه، وأدت إلى تغليب الخوف الدائم والشك المتواصل من أن تستخدم أموال الناس في غير نفع الناس وتنحى به بعيدًا عن أوجه الخير الحقيقية. هذا الأمر أدى إلى أن تتوجس الحكومات خيفةً من الخلط بين استغلال تبرعات وإحسان وصدقات الناس وزكاتهم وبين صرفها في مجالات قد لا تمت للخير بصلة، بل إنها قد تكون للشر أقرب، ودعاها للتفكير جديًّا لإعادة دراسة هيكيلية تلك الجمعيات التنظيمية ومكوناتها وطرق الصرف فيها ولا أشك إطلاقًا أن سبب ذلك كله هو عدم سعي تلك المنظمات والجمعيات لـ”توثيق المعلومة” لتسيير وإنجاز أعمالها بشكل إليكتروني، وهذا الأمر يقينًا تسبب في إيقاف أو تعطيل بعض نشاطات تلك المنظمات إما بشكل كلي أو بشكل جزئي، كما وأن عدم وجود الترابط الإليكتروني بينها وبين الهيئات والوزارات الحكومية بالقدر الكافي كان سببًا مهمًا؛ لتضخم تلك المشكلة، وقد ظهر هذا الأمر جليًّا في العقد الأخير من هذا القرن. ماهو الحل إذن للتغلب على هذه المعضلة التي أثّرت على العمل الخيري وأضحت عقبةً كبرى نحو مستقبله وتطويره واستمراره؟ إن العمل على التخطيط لبناء بوابة إليكترونية واحدة تجمع البيانات، والتي قد تهم كل من له لهفة للتجارة مع ملك الملوك وتحقق أمنية كل قائد أو صاحب قرار له رغبة في تنظيم وتطوير وترتيب العمل الخيري، والحرص على استدامته هو الحل وهي الطريق. هذه البوابة الإليكترونية والتي يمكن ربطها بجميع الجمعيات والهيئات والمنظمات المدنية “الخيريةّ” تحت مظلة واحدة هي “البوابة الخيرية الإليكترونية” من المؤكد أنها ستثمر جديًّا عن سرعةً في إنجاز وتسهيل للمعاملات وتيسيرها على المستفيدين و”توثيق” لكل الإجراءات وسهولة الوصول للمعلومة “المعرفية”، ولنا في مشروع الحوكمة الإليكترونية القائم حاليًّا خير مثال والذي بدأت تستخدمه منذ مدة بعض الوزارات الحكومية كنظام “أبشر”، و”ساند”، و”ساهر”، و”مقيم” و”يسير”، و”إسكان” وغيرها من الأنظمة الإليكترونية ضمن مشروع “الحكومة الإلكترونية” رقم الهوية أو الإقامة أو جواز السفر كلها تسمى برمجيًّا بـ”المفتاح الفريد” أو “المميز” بمعنى أنه لا يمكن تكرارها مثلها مثل”البصمة”؛ فمن خلال هذا الأرقام يمكن إدخال وتسجيل وتوثيق كل المعلومات والبيانات التي تخص هذا المواطن والمقيم والزائر والسائح، ونستطيع الحصول على الكثير من الإجابات الإحصائية عن أفراد المجتمع، فمثلًا كم عدد من يمتلكون سكنًا؟ وكم عدد الفتيات اللائي بلغن سن الزواج ولم يتمكنّ من اللحاق بقطاره؟ كم عدد العاطلين؟ أعمارهم؟ مستوى تعليمهم؟ حالتهم الصحية بشكل عام؟ حساباتهم الشخصية في البنوك؟ والكثير من المعلومات الإحصائية والتقارير التي تخبرنا الكثير عن حال مجتمعنا للبحث عن حلول لمشاكله وعقبات تقدمه. كل تلك المعلومات والبيانات يمكن تحليلها والبحث في محتواها، والبحث عن كل الحلول التي تقضي على المشاكل التي يُعاني منها أفراد المجتمع. إن أسلوب الإدارة الإليكترونية هو الطريق السليم للقضاء على معظم المشاكل التي تُعاني منها المجتمعات و”العمل الخيري الإليكتروني” الذي أتخيله وأحلم به هو مشروع دينيٌ – وطنيٌ – أخلاقيٌ – قيميٌ – له هدف واحد يسعى لتحقيقه ألا وهو “من بات آمنًا في سربه معافىً في بدنه عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذفيرها”. المرحلة الأولى لهذا المشروع هي العمل على الحصول بسهولة على سكن – توفير الأمن – الاعتناء بالصحة – تأمين العمل – توفير الغذاء، مما يوفر مبدأ “تحقيق العدالة الاجتماعية” لكافة أفراد المجتمع. المرحلة الثانية يجب أن يتم العمل فيها على تطوير التعليم وتحسين مخرجاته، والعمل على استكمال البنية التحتية المطلوبة بشدة في النقل والمواصلات والاتصالات والتكنولوجيا؛ لكي نصل بحق إلى مصاف الدول العالم الأول المتقدمة.
فوزي الأحمدي