لو صدقتُ مع نفسي، وصارحتُ ضميري، وخلوتُ بذاتي، وتأمَّلتُ حالي، وعارضتُ تطلُّعاتي، وأعترضتُ نزواتي، وتمعنَّتُ ما ورد في الذِّكر الحكيم: ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدِيْهِ رَقِيْبٌ عَتِيْدٌ))؛ لاعترفتُ ـ صراحةً ـ بأنِّي ارتقيتُ مكانًا غيرَ جديرٍ به، ومكانةً لستُ على قدر كبير منها؛ فلا مستحقَّات عُليا حصلتُ عليها، ولا طموحات عالية أملكها .. هكذا أغراني ـ أخزاه الله ونكسه ـ بأنِّي أنا الْمُلهم المناسب .. وفي المكان المناسب .. وبأنِّي قأئد وقادر ومتمكِّن، وأخزاها الله تلك الغَرُورَة؛ أرتني أنَّ في الكون الفسيح أماكن استحق الجلوس عليها دون غيري، فنظرتي وفهمي يفوق الكثير من النَّاس دوني، وحسبي الله على من أعانوني وساعدوني، وكيف فهمتُ جهلاً وخطأً لموروثٍ عظيم: ((انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُوْمًا))، وأنا في ظنِّي أنَّهم يَرُدُّون جميلَ ماضٍ لي، أو أُسدِّد واجبَ حاضرٍ عليَّ .. والآن وأنا في آخر خطوات مصدر رزقي، ولا أعلم فقد يكون في آخر لحظات عمري..!! وقتها لا ينفع ندم .. ولا يفيد صوت.
وضميري صباح مساء، يسألني : ما قدمتَ لمن حولك؟ ما قدمتَ لمن أَمَّلوافيك؟ فالكلُّ شاهد لك أو شاهد عليك..!! لاأودُّ الإجابةَ وأكرهُهَا!! فالإجابة القادمة من أقصى أعماقي تذكِّرني بذنبي .. تؤلمني .. تؤرقني .. تجعلني أُقِرُّ وأُؤكِّد بـضعف قدراتي .. وانعدام أفكاري .. واضمحلال مفاهيمي. كلُّها اعترافاتٌ صادقة فعلاً في أوقات ضائعة؛ فصافرة النِّهاية اقتربتْ .. وليس في بقية العمر أكثر ممَّا كان .. وليس في العمر وقتٌ يطول كما طال .. (كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ … يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ).
وكلُّ ما فعلتُه لمن هم تحت مسؤوليتي أنِّي كنتُ تحديدًا اصطاد في الماء الآسِنٍ، وأحارب أصحاب الفكر النَّيِّر؛ أصدقاء النَّجاح .. كنتُ اُحبِط المعنويات، وأضخِّم صغائر الأمور وتوافهها .. لم أقدِّم ما يشفع لي في البقاء .. وهذا طبعًا بلا أيِّ تغييرٍ أو تطويرٍ وتقدُّمٍ يُذكَر؛ لأنَّه باختصار بسيط (فَاقِدُ الشَّيءِ لَا يُعْطِيْهِ)، و(زَامِرُ الحيِّ لا يُطْرِبُ)، خذلتُ نفسي قبل كلِّ شيءٍ .. وخذلتُ مجتمعي .. وخنتُ أُمانتي الملقاة على كاهلي، فأين أذهب من عَذَابَاتِ ضميري؟ أين أذهب حيث لا مفرَّ!!.
لم يَعُدْ يفيدُني مزيدًا من الأفكار والتَّوهُّم، أو مزيجًا من العناد والكبر؛ فكلُّ أوراقي أصبحت مكشوفة، وكلُّ أسراري أصبحت مستباحة..!! ولابُدَّ أن تكون الوقائع مليئة بالحقائق، خالية من التَّزوير والمخادعة؛ فالحقُّ كالشَّمس السَّاطعة التي لا تستطيع أن تحجبها أبدًا عباراتُ المادحين، ولا تمجيد المقرَّبين، ولاثناءات المنتفعين؛ ففي أقوالهم الكثير الكثير من البعد عن المصداقيَّة، والابتعاد عن الشَّفافيَّة، ولو كان بالإمكان أمري؛ لقلتُ لكلِّ من يستطيع أن يفعل لي شيئًا: ردوا إلي عمري..!! وهل حقًا يعود العمر يومًا!!؟
عبدالرحمن عبدالقادر الأحمدي
فالحقُّ كالشَّمس السَّاطعة التي لا تستطيع أن تحجبها أبدًا عباراتُ المادحين، ولا تمجيد المقرَّبين، ولاثناءات المنتفعين
رائعة بروعتك