عبدالحق هقي

في فمي ماء..

منطق الطير: ” يمكننا أن نسامح بسهولة الطفل الذي يخاف من الظلام، أما مأساة الحياة الحقيقية فهي عندما يخشى الرجال الضوء”- أفلاطون

          ليس من الشجاعة ولا المروءة أن تُبنى الأمجاد الشخصية في نكران لأولئك الذين أسهموا حقًا في بنائها، وتجاهل حقوقهم المعنوية والمادية على حد سواء، ويزيد من جلل تلك (الكبيرة) الأخلاقية أن يتم التجاهل والإنكار في ساحات العطاءات الفكرية، ويتلبس ذلك النكران من يدعون حمل لواء الثقافة والأدب، وأن يهتم من تُوكل لهم قيادة الفعل الثقافي والأدبي بالترف على الجدران وبهرجة البنيان، والإنفاق السخي في الكماليات والاحتفاليات، فإن وقف أمام الإنسان المفكر صانع الإنجاز الحقيقي تزمل التقشف.

          ويزيد من الطين بلةً أن لا يتم مكافأة المجتهدين (معنويًا وماديًا) في الفعل الثقافي على قدر إبداعهم وعطائهم، وإنما يكافؤون ببخس الجزاف، فتتكرس ثقافة الاتكال والتكاسل وتنمو فسائل المحسوبيات والشللية، بدل أن تكون المؤسسة الثقافية مُؤسِسَة ورائدة في المصداقية والنزاهة، وبعث ثقافة التحفيز وتقدير المبادرات، وتشجيع العاملين ومحاربة المتسلقين، فليس ثمة عدل في المكافأة ما لم تتساوى الأعباء والعطاءات، فدون ذلك جور عظيم لا يليق بالمثقف علاوة على أنه مُسلم مكلف بالإنصاف.

          إن الثقافة في أصلها ورسالتها لا تعرف تميزًا من حيث الجنس أو الجنسية، فهي عابرة للزمان والمكان، ومهمتها منذ الأزل الانتصار لإنسانية الإنسان والدفاع عن الفكرة مجردة عن الأهواء والانتماءات، والقبليات والقُطريات، ويشين من يشتغل في الحراك الثقافي أن يرتد إلى جاهليته الأولى، فيتصرف بمقتضى الإقصاء والتمييز وإن كان يدندن في سره أو جهره بالقيم المثلى، والعدالة وإجلال الإنسان، فما لا ينعكس في واقع الفعل لا يغدو أن يكون رياءً أو انفصامًا.

          لقد بُليت ساحاتنا الثقافية بتسرب آليات التسيير العشوائي إليها من المؤسسات الأخرى، فوقفت متأثرةً بالسلوكيات الخاطئة والمجحفة بدلاً أن تكون مؤثرةً بالسلوكيات الصحيحة والفاعلة، فعجزت عن تشكيل ثقافة المؤسسة ومَؤْسسة الثقافة، وتحول الفعل الثقافي إلى مجرد حدث فلكلوري يسير بالتواكل (البركة)، يُهمش الفاعلين الحقيقيين المخلصين للفكرة والثقافة، ويقدم المتسلقين؛ ثم وقف سدنة (الثقافة) مصدومين من عزوف الناس عن التثقف وتجاهلهم لمؤسساتها، غير مدركين أن الفطرة أصل المثاقفة ودليل الثقافة…

خبر الهدهد: تقدير الوسائط..

عبدالحق الطيب هقي

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. مقالة قوية ولها ابعاد كثيرة ممكن الاستفادة من تحليلها
    تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى