(مكة) – متابعة
اختتمت أمس جلسات المؤتمر الدولي الذي نظمه مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية تكريماً للأمير سعود الفيصل -رحمه الله- على مدى ثلاثة أيام تحت عنوان “سعود الأوطان” بجلسة تناولت الرؤية السياسية عند سعود الفيصل من خلال جهوده في مسيرة مجلس التعاون الخليجي .
وقال وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، في كلمته خلال الجلسة، تعلمت من الأمير سعود الفيصل الوضوح والصراحة المطلقة، وكان كقائد الجيش شجاعاً وثابتاً في مواقفه، لا يعرف الخوف، وكان رجلاً عن ألف رجل، مضيفاً أنه كان له دور بارز وحاسم في قيادة الدبلوماسية السعودية خلال أربعة عقود بمنهج سياسي فريد يتصف بالسياسة الهادئة والمنطقية.
وثمن وزير الخارجية الإماراتية، مواقف الأمير سعود الفيصل طوال حياته ومطالبته لسيادة الإمارات على الجزر المحتلة من إيران، وموقفه الحاسم من التهديدات الإيرانية التي تعرضت لها البحرين عام ٢٠١١م، وتأكيده الدائم على أن أمن البحرين ودول الخليج العربية كافة من أمن المملكة.
وقال الأمين السابق لمجلس التعاون الخليجي جميل الحجيلان، إن الأمير سعود الفيصل كان وزير خارجية العالم بأسره، مشيراً إلى أنه طوال ٤٠ عاماً حرص على توثيق علاقات بلاده مع كل دول العالم، والاستفادة من ذلك في خدمة القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي ظلت محور اهتمامه في كل المحافل الدولية والدبلوماسية.
وأضاف الحجيلان أن الأمير سعود الفيصل عايش أصعب الأحداث السياسية، كالحرب العراقية الإيرانية والحرب الأهلية اللبنانية والغزو الكويتي وأحداث ١١ سبتمبر، وعمل جاهداً للوصول إلى حلول سلمية وتخفيف تداعيات تلك الأحداث على الأمتين العربية والإسلامية، مشيراً إلى أن الأمير سعود الفيصل كان مستمعاً جيداً وذَا وجه منفرج السريرة، ويتحدث بشموليه ووضوح، ولم تصدر عنه طوال عمله الدبلوماسي كلمة نابية أو رأي انفعالي.
وحول دوره في مسيرة مجلس التعاون أكد الحجيلان أن مجلس التعاون الخليجي حظي باهتمام سموه رحمه الله، وحقق خلالها عملاً سياسياً متكاملاً بين دول المجلس، وإنجازات سياسية واجتماعية واقتصادية وتنموية كبيرة.
وقال أول أمين لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبدالله بشارة: إن الأمير سعود الفيصل كان من أبرز الداعمين والموجهين لي في بداية مسيرة مجلس التعاون الخليجي ولم يتردد في تقديم المشورة، وطوال ١٢ عاماً قضيتها في المنصب, مضيفاً أنه كان داعماً قوياً للخطوات الأولى لعمل المجلس، وحريصاً على أن يكون المجلس في بداية مسيرته ملتزماً بالسياسات العامة لدول المجلس، واحترام سيادة كل دولة، وتوحيد آراء واهتمامات دول المجلس تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني والاجتماعي.
وفي جلسة ثانية تناولت إسهامات الأمير سعود الفيصل عبر (جامعة الدول العربية) أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي أن مسيرته – رحمه الله، كانت حافلة بالمواقف الشجاعة والحنكة السياسية والدبلوماسية الراقية، وكان دائماً حاضراً في الملمات والمحن وفي جميع المواقف فارساً صلباً مدافعاً عن قضايا الأمة العربية مما جعله يتبوأ مكانة مرموقة، مشيراً إلى أن الأمير سعود الفيصل أرسى أسساً صلبة لمدرسة الدبلوماسية المتميزة، متمنياً أن يستفيد الدبلوماسيون العرب منها، موضحاً في الوقت ذاته أن هذا الأمر ليس باليسير، بل تطلب الكثير من الجهد والعمل الدؤوب وبراعة بالقول والفعل.
وتحدث الدكتور نبيل العربي عن عدد من الأدوار والمواقف الشجاعة للأمير الراحل، مبيناً أن من أبرزها مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وإنهاء الاحتلال بإقامته الدولة الفلسطينية، وجهوده الدؤوبة إزاء بلورة موقف عربي موحد تجاه القضايا العربية.
وأضاف” لا ننسى مواقف الأمير سعود الفيصل في الظروف الصعبة كمجريات الأزمة اللبنانية، والجهود التي بذلها لإنجاز اتفاق الطائف وحرب تحرير الكويت والحرب العراقية الإيرانية وما تلا سقوط نظام صدام حسين في العراق، وصولاً إلى زلزال الربيع العربي الذي هز أركان العديد من الدول العربية.
وأكد حرص الأمير سعود الفيصل وسعيه لتحقيق التضامن العربي ولو بحده الأدنى، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة تفعيل التكامل العربي بمعناه الواسع الثقافي والسياسي والاقتصادي.
فيما أكد الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى أن وضع المنطقة العربية كان مثار انشغال الأمير سعود الفيصل طوال الوقت، مشيراً إلى أن سموه شدد على ضرورة الإبقاء على الجامعة العربية وتطوير عملها بما يتناسب والتحديات التي تواجه الأمة العربية.
وأضاف إن “قلقنا من المشروعات العديدة المطروحة من خارج العالم العربي والمصاعب التي نواجهها الآن تتطلب صياغة مشروع عربي لبلورة موقف عربي يستطيع مواجهة المخططات التي تستهدف الاستقرار في الدول العربية.
وأكَّد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مصر معالي السفير أحمد بن عبدالعزيز قطان أن الأمير سعود الفيصل رحمه الله، كان وسوف يظل نموذجاً يحتذى به خلال عمله وزيراً للخارجية على مدى أربعين عاماً، مشيراً إلى أن الأمير سعود الفيصل رفع راية المملكة عالية في المحافل العربية والدولية بنبل وشرف ودبلوماسية رفيعة نابعة من سياسة ثابتة لا تتلون ولا تتغير بتغير أهواء أشخاص أو سياسات دول.
وأضاف السفير قطان أن الأمير سعود الفيصل امتلك على مدى العقود الأربعة من مسيرته الحافلة رؤية واضحة تركز على جهود ومواقف وإمكانات سياسية واقتصادية ملموسة في المجالين العربي والدولي، مؤكداً أن السياسة الخارجية للمملكة تقوم على مبادئ وثوابت ومتطلبات تاريخية وسياسية ضمن أطر رئيسية أهمها الحوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ودعم العلاقات مع الدول العربية والإسلامية بما يخدم المصالح المشتركة لهذه الدول.
وبين السفير قطان أن الأمير سعود الفيصل كان عميق الإيمان بأهمية جامعة الدول العربية كأهم منظمة إقليمية تدافع عن مصالح دولها، متطرقاً للعديد من مواقف الراحل التي لتحقيق الاستقرار في العالم العربي التي أثمرت عن وضع حد للحرب اللبنانية والحرب العراقية الإيرانية وتحرير الكويت.
وأوضح أن الأمير سعود الفيصل كان دائم الحذر إزاء السياسات الإسرائيلية في المنطقة وأن أي حوار معها يجب أن يكون مرتبطاً بحل النزاعات بينها وبين الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين على أساس الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، مستشهداً في ذلك بمخاطبة سموه للعالم قائلاً “إنه إن لم تقدم مبادرة السلام العربية الأمن لإسرائيل فأوكد لكم أن فوهة البندقية لن تقدم لها الأمن المنشود”.
ولفت السفير قطان إلى أن الأمير سعود الفيصل واجه إيران ومحاولات تقاربها مع أمريكا وتوسع نفوذها في العراق ولبنان واليمن وسوريا وتصدى لسياساتها العدائية، إضافة لما تقوم به إيران من حروب بالوكالة في المنطقة العربية، مشيراً إلى أن الدبلوماسية السعودية نجحت في إقناع العالم بأن لإيران أذرعها في العالم العربي كميلشيات حزب الله وفيلق القدس وغيرها، وبأنه ليس من حقها التدخل في شؤون الآخرين.
وتواصلت أعمال جلسات المؤتمر العلمية بورشة عمل بعنوان تعاون وتكاتف الأمة الإسلامية في الرؤية السياسية عند الأمير سعود الفيصل افتتحها صاحب السمو الملكي الأمير خالد بن سعود الفيصل، وتحدث خلال الورشة معالي الأستاذ إياد بن أمين مدني الذي قال إن الأمير سعود الفيصل عقد مؤتمرات عدة محلية أبرزها في مكة وعلى المستوى الإقليمي في الجزائر ومصر لتشكيل كتلة ونموذج سياسي يجمع الدول العربية والإسلامية وبناء دبلوماسية في دول العالم العربي بشكل مشترك لتطوير وتوثيق منظمة العالم الإسلامي.
وأضاف: كان الأمير سعود الفيصل يمتلك رؤية شاملة من منطلق حرص واهتمام واسع لتحقيق تطلعات الدول العربية ومعالجة ما تعانيه من أزمات ولكي تصل المنظمة للأهداف المنشودة شدد الفيصل أن تلتزم هذه الدول بعكس صورة حضارية وحسنة بنشر رسائل الإسلام السامية وعكس الوجه الحقيقي لدين الإسلام كما نادى بضرورة الأخذ في حضارات هذه الدول والحفاظ على أهم مكتسباتها والدفاع عن الإسلام في كل مكان وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول والعمل على تحقيق الاستقرار بها على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية.
وأشار الأستاذ إياد مدني إلى اهتمام الأمير سعود الفيصل في جميع خطاباته باحترام حقوق الإنسان وقضايا المرأة والاهتمام بصقل قدرات الأطفال وتربيتهم وتنمية مهاراتهم الفكرية والإبداعية على أن يكون الميثاق كدستور يحفظ هذه الدول ويحررها من الظلم والقهر ويحقق لهم الحماية الكاملة ولن يأتي ذلك إلا بنبذ الخلافات العرقية والصراعات الطائفية من أجل عدم الوقوع في فخ الحروب الأهلية، إضافة إلى حرصه على احترام الرموز الدينية ونشر روح التسامح والدفاع عن القضايا الإسلامية بشكل علمي ومنهجي، مؤكداً أن الأمير سعود الفيصل كان له دبلوماسية محنكة في حفظ الإطار العربي على المستوى العالمي في المحافل الدولية.
وأكد وزير خارجية السودان الأسبق الدكتور مصطفى إسماعيل أن الأمير سعود الفيصل كان يبحث دائماً عن توافق بين الدول العربية للمصلحة العامة التي تقتضي حمايتها.
وقال: إن الفيصل كان قيادي الدبلوماسية العربية والعالمية فهو الذي واجه التحديات والمشكلات التي تواجه الدول العربية بكل جرأة وطرح الأسئلة في المؤتمرات الدولية وكان أبرزها هل كان بمقدور إسرائيل أن تهاجم فلسطين لو أن العرب متحدون؟، محذراً من خطر التفكك وأثره الكبير, إلى جانب جهوده يرحمه الله في تقوية الدول العربية عسكرياً من أجل تكافؤ القوات مع الغرب.
وتابع الدكتور مصطفى قائلاً حول العلاقة بين الحضارات كان الفيصل يؤكد دائماً بأنها ليست سلعاً لكي يتم التنافس عليها، مؤكداً أنه طالما نادى الفيصل بضرورة الاهتمام بالخطاب الإعلامي الإسلامي لمجاراة الإعلام الغربي الذي نستقبله وشكل تصورات خاطئة عن العرب والمسلمين.
وناقشت الجلسة المتعلقة بمحور “مكافحة التطرف والإرهاب”، التي أدارها معالي عضو الهيئة الاستشارية العليا للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربي سليمان ماجد الشاهين، دور الأمير سعود الفيصل في مكافحة التطرف والإرهاب، حيث قدم صاحب السمو السفير الأمير الدكتور تركي بن محمد بن سعود الكبير وكيل وزارة الخارجية، ورقة أكد فيها أن صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل – رحمه الله – عُرف رجلاً دبلوماسياً فذاً، ورائداً في العلاقات الدولية، موضحاً أن جهود الأمير الفيصل في مكافحة التطرف والإرهاب تجاوزت مفهوم “المرحلية” واتخذت طابعا مؤسسياً وشمولياً مستداماً من أجل القضاء نهائياً على هذه الآفة، تمثل بوضع خطط وبرامج واستراتيجيات تنسجم مع رؤى القيادة السعودية الحكيمة تجاه هذا الداء الذي بدأ يفتك بالأمم والشعوب دون تمييز.
واستشهد الأمير تركي بقول الأمير سعود الفيصل إنه ليس هناك حدود لأي جهود يمكن أن تقدمها المملكة في مواجهة الإرهاب “إلا إمكانياتها”، وذكر بأن المملكة كانت دائماً مبادِرة بالدعوة إلى الوقوف أمام الإرهابيين والتصدي لهم، مشيراً أن رؤية الفيصل في محاربة الإرهاب كانت تؤكد على أهمية التعامل مع الإرهاب من منظور إستراتيجي شامل لا يقتصر فقط على دولة واحدة بل يمتد إلى التعامل مع الإرهاب الذي يضرب بأطنابه في دول ليبيا ولبنان وسوريا والعراق واليمن التي أصبحت ملاذاً لهذه التنظيمات وشبكاتها، وخصوصاً فيما يتعلق بتدفق السلاح والعتاد إليها وفيما بينها، ولعل أكبر مثال على ذلك قيام تنظيم داعش الإرهابي بإلغاء الحدود بين العراق وسوريا والتحرك بكل حرية إلى الأراضي السورية بقواته وعتاده كملاذ أمن عندما اشتدا القصف عليه في العراق”.
واعتبر الأمير تركي بن محمد، أن الإنسانية فقدت برحيل الفيصل داعية سلام ورجل نزر حياته للخير والمحبة والتعايش بين الشعوب وإتباع الديانات المختلفة لأن السلام هو الغاية التي تبحث عنها البشرية منذ فجر التاريخ.
وفي ذات الإطار قدم معالي الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي الدكتور عبداللطيف الزياني ورقة عمل تناول فيها جهود الفيصل في مكافحة التطرف والإرهاب الذي تحول لتهديد أمني وسياسي لكل دول العالم وليس منطقتنا فحسب، موضحاً أن كل العالم روع بأنواع مختلفة للإرهاب منه ما هو ديني وسياسي وأيدلوجي وفكري.
وأشار إلى نماذج من جهود الأمير سعود الفيصل لوقف العنف في واحدة من أسخن مناطق النزاعات وهي فلسطين، مؤكداً أن رؤية الفيصل تؤمن بأن وجود إسرائيل في قلب العالم الإسلامي ساهم في تصاعد العنف المستند على مسميات مختلفة منها الجهادي والتحرري وغيرها.
وقال إن النهج الإيراني التوسعي وتغلغلها في لبنان عبر حزب الله وتوغلها في سوريا والعراق واليمن زاد من محن المنطقة، كما أن الفيصل كان يرى أن الظلم الواقع من الغرب على بعض المسلمين ساهم في التحاق الشباب بالمنظمات الإرهابية، وأن أعداء الإسلام استغلوا المتطرفين لتحقيق غاياتهم في تفتيت وحدة المسلمين من جهة والإساءة للعقيدة الإسلامية السمحاء من جهة أخرى.