همسات الخميس
كان أسبوعا مستعرًا بحق، دخلته مثقلًا بالحزن على رحيل جمعان آل جابر رحمه الله، جمعان الذي كان طالبًا عندي ثم غفلت مع الغافلين حتى أمسيت طالبًا عنده، كنت معلمًا من بين معلميه في الإعدادية ثم انتقلت إلى معهد المعلمين بالباحة؛ فوجدته هناك فكنت ضمن معلميه حتى تخرّج معلمًا ومن يومها وأنا أدرس على يده، مارس التعليم وانخرط في مجالات التدريب حتى أصبح مدربًا بشهادات عالية يُشار إليه وإليها بالبنان، أعطيته بعض الجغرافيا والتربية وطرق التدريس وأعطاني الكثير من خفايا النفس البشرية، حزنت عليه مثلما يحزن إنسان على إنسان وفي النهاية هو حزن ميت على ميت.
في هذه الأجواء تابعت تداعيات التنظيم الجديد لهيئات الأمر بالمعروف، ومعظم أصحابها بين مزايد ومتربص ومتعقل، مزايد يظن أن الدولة جهاز من أجهزة الهيئة لا العكس، ومتربص لا يدرك أن الأمر بالمعروف شعيرة قبل أن يكون هيئة، ومتعقل يعي أن الدولة إنما قامت أصلًا على تعظيم شعائر الله، وأن الهيئة جهاز من أجهزة الدولة لخدمة تلك الشعيرة، وأن تنظيمها هو شأن من شؤون الدولة، المزايد يُزايد على دولة تعي دورها في حفظ الكليات الخمس بشتى الطرق، والمتربص يقدم نفسه داعية تحرر لا يقبل حتى بالمطبات الصناعية مالم تكن أمام بيته، وبين هذا وذاك يظهر المتعقل العارف بتاريخ بلاده وتطورها وبالثوابت التي تقوم عليها.
بعد هذا وذاك حل مساء الاثنين المنصرم ليحمل للسعوديين بشائر مستقبلهم المشرق، رؤية المملكة 2030، رؤية بعثت الاطمئنان في نفوسنا ونفوس الذين أدركوا أن في طمأنينة المملكة طمأنينة لهم وخاصة دول مجلس التعاون، رؤية سلمان وأقطاب القيادة، شرحها للناس محمد بن سلمان، رؤية شفافة واقعية طموحة تعي كل صغيرة وكبيرة في أوضاع البلاد والعباد، رؤية هي في حقيقتها برنامج إصلاح شامل وخطة عمل وخارطة طريق، وصفوها بالرؤية تجنبًا للقفز على الواقع وحفظا لحقوق إبداء الرأي حولها فهي إرادة قيادة وطموح شعب. لقد استمعتم مثلما استمعت وطالعتم مثلما طالعت ولن أعيد، لكني سأتوقف عند أمرين، تركيزها على الإنسان دخلًا وتعليمًا وصحة وثقافة وترفيهًا وتقديم الأدنى على الأعلى، ثم تلك الإطلالة الودودة الواثقة التي ظهر بها الأمير محمد بن سلمان عميقًا متجذرًا في قضايا بلاده، إطلالة تذكرني بسلفه العظيم فيصل بن عبد العزيز يوم أن طرح برنامجه الإصلاحي عبر الصحافة السعودية، كان برنامجًا طموحًا ركز فيه أيضا على الانسان، وعلى الترفيه البريء كما وصفه آنذاك، والترفيه شأن لا يُستهان به عند بناء الشعوب وقد أدركها أيضًا سلفهم الأعظم صلاح الدين الأيوبي.
أزاح صلاح الدين الأيوبي من طريق شعبه عقدة الخوف من الترفيه؛ فعادت إليهم طبيعة الإنسان فسهل عليه إعادة بنائهم، الشعوب المكفهرة المكتئبة لا تتقدم قيد أنملة، والأجساد التي تلهبها السياط لا تتربي فوق عظامها لحمة الإقدام، المال والعقار والخيل المسوّمة تجلب للقلب الكلل، والقلوب إن كلّت عميت، كانت تلك أول خطوات صلاح الدين، وهي خطوة ما غابت عن صنوه البطل فيصل ولم تغب عن صنوهما الحازم محمد بن سلمان، وبين الترفيه البريء والثقافة الترفيهية تمتد التحولات وتقف الأنفس متأهبة ليوم سعودي مشرق وجديد.
محمد ربيع الغامدي
تسلم يا محمد. أمتعتنا وأفدتنا بارك الله فيكم.
لك الشكر يا أستاذ محمد ربيع مبدع ومدرسة لكل طالب علم ومنبر تجتمع على قمته الفضائل فأيتمر ولَك الشكر