لُجة الأيقونات
منطق الطير: “التعليم يجعل الآلات تعمل مثل الإنسان وينتج رجالا يتصرفون مثل الآلات”- إريك فروم
في الوقت الذي كان الكثيرون يخشون من طوفان التقانة واستلاب التقنية، وضياع إنسانية الإنسان في زخم الشبكات العنكوبتية ومتاهات الوسائط، وبينما وقف المنظرون المصدومون من هذا الفضاء الزاحف وبسرعة، في إدعاء زائف يحذرون من مغبة الدخول في تبلد المشاعر وبرودة العلاقات، فاجأ الجميع كمٌ من البرامج والتطبيقات المتداولة عبر الكمبيوترات والألواح الذكية، والتي تسبر بعض أغوار النفس من خلال قراءة البيانات المشفرة للكتابات والانفعالات، لتعيد دفء علاقة الإنسان بذاته ومحيطه، وتقديره في قالب من المرح والتلقائية.
العجيب في الأمر أن هذه البرامج والتطبيقات لم تكن نتاجًا تلقائيًا و”تخلقًا تجديديًا” لدورة الاصطفاء التكنولوجي ونظرية تطوره –على الطريقة الدروانية إن صح الوصف-، وإنما كانت بفعل الإنسان وتدخله، المبدع لهذه البرمجيات والموجه لها، ومكمن الغرابة والتعجب أن ذات الإنسان الذي فقد في واقعه كل الانفعالات والمشاعر تجاه ذاته والغير، استدعاها –وعيًا في النادر ولاوعيًا في الأغلب- في صناعة هذه التطبيقات، للحلول في خارطة الشعور الإنساني المتلبس بضجيج الوسائط وبرود الآلة.
إن المتأمل الحصيف ليقف مشدوهًا أمام أحد أبرز التناقضات التي خلقها ذوبان البشر المتشبث بأصله الشعوري “البدائي/الفطري” في بيئة المناخات الحياتية المتطورة وتعقيدات الأدوات، فبينما يحاول الانسلال من أصله البشري متخليًا على العاطفة كأحد أكثر الأنظمة تخلفًا في المجتمع الصناعي ليقارب الآلة المبهرة الجامدة، والتي يعتقد أنها أكثر إنتاجية ودينامكية، تتطور الآلة بشكل رهيب وسريع حتى تكاد تنطبق مع بشرية الإنسان، بما تحمله تلك البشرية من مشاعر وأحاسيس، ودفء ومرونة.
لا شك أن ثمة أسئلة عديدة تواجه المصير الإنساني في فضاءٍ باتت الآلة تحتل فيه لا جزءً من الممارسة الحياتية المادية فحسب، وإنما الجزء الأكبر من الممارسات العاطفية والشعورية، على مستوى تشبيك العلاقات من خلال وسائط الاتصال والتواصل الفائقة من جهة، وفي إعادة اكتشاف تلك العاطفة والشعور بفضل تقدم الذكاءات الاصطناعية من جهة أخرى، لعل أهمها: هل نحن أمام تحديات المرحلة الأخيرة لفقدان الإنسانية الفطرية البسيطة؟! لصالح إنسانيات مصطنعة معقدة؟!.
خبر الهدهد: التسول الالكتروني..