برحيل الكاتب الصحفي المصري محمد حسنين هيكل، تكون مصر قد فقدت واحدا من أبرز أعلامها من الصحفيين، فقد كان هيكل أهم صحفي عربي ومن أهم الصحفيين العالميين، وحقق تألقا كبيرا في سماء الصحافة والنشر في العالم على الرغم من الاتهامات بحق هيكل بأنه مسئول رئيسي عن كثير من الكوارث السياسية التي لحقت بالعالم العربي وعن ارتباطه الوثيق وتأييده لنظام طاغية بشار الأسد .
وعلى الرغم مما قد تبدو أنها اتهامات لصيقة بحق هيكل بمسؤوليته على سبيل المشاركة في هزيمة سنة 1967م، التي تعتبر أكبر هزيمة عسكرية تحيق بالعالم العربي في تاريخه الحديث، وحتى مع ما وجه لهيكل من انتقادات لأنه كان أول من تبنى مزاعم إسرائيلية حول أن حرب أكتوبر سنة 1973م كانت هزيمة عسكرية للسادات وليست انتصارا، إلا أن هيكل يبقى علامة بارزة في تاريخ الصحافة العربية والمصرية.
فرحيل هيكل الذي عاش في كل العصور الملكية والجمهورية التي مرت بمصر قبل وبعد 3 ثورات، وفي ظل ملكين و6 رؤساء كشف أزمة النخب العربية ، وحيث كان اقتراب هيكل من السلطة أو ابتعاده عنها بمثابة ترمومتر لقياس العلاقة بين الصحافة والدولة ليس في مصر فقط ولكن في العالم العربي ، وهو ما يكشف أيضا عن أزمة شديدة تعتري النخب العربية وتتعلق بمصداقية هذه النخب او عدم مصداقيتها .
مسيرة حافلة
وهيكل هو كاتب ومحلل سياسي مصري، وأحد أبرز الصحفيين العرب في القرن العشرين، كما أنه من الصحفيين العرب القلائل الذين شاركوا في صياغة السياسة العربية.
تزوج “حسنين هيكل” من السيدة “هدايت علوي تيمور” في يناير 1955م، هي حاصلة على ماجستير في الآثار الإسلامية ولديهم ثلاثة أولاد هما: “علي هيكل” طبيب أمراض باطنية وروماتيزم في جامعة القاهرة، و”أحمد هيكل” رئيس مجلس إدارة شركة القلعة للاستثمارات المالية، و”حسن هيكل” رئيس مجلس الإدارة المشارك والرئيس التنفيذي للمجموعة المالية (هيرميس).
ولد “هيكل” يوم 23 سبتمبر عام 1923 في القاهرة، تلقى تعليمه بمراحله المتصلة في مصر، وكان اتجاهه مبكراً إلى دراسة وممارسة الصحافة, في عام 1943م التحق بجريدة “الإيجبشيان جازيت” كمحرر تحت التمرين في قسم الحوادث، ثم في القسم البرلماني.
اختاره رئيس تحرير “الإيجيبشيان جازيت” لكي يشارك في تغطية بعض معارك الحرب العالمية الثانية في مراحلها المتأخرة برؤية مصرية, ثم تم تعينه عام 1945م كمحرر بمجلة آخر ساعة التي انتقل معها عندما انتقلت ملكيتها إلى جريدة أخبار اليوم خلال الفترة (1946م -1950م).
أصبح “حسنين هيكل” بعد ذلك مراسلاً متجولاً بأخبار اليوم وتنقل وراء الأحداث من الشرق الأوسط إلى البلقان وإفريقيا والشرق الأقصى حتى كوريا, ثم استقر في مصر عام 1951م حيث تولي منصب رئيس تحرير “آخر ساعة” ومدير تحرير “أخبار اليوم” واتصل عن قرب بمجريات السياسة المصرية.
في عام 1956م اعتذر “هيكل” في المرة الأولى عن مجلس إدارة ورئاسة تحرير الأهرام، إلا أنه قبل في المرة الثانية وظل رئيساً لتحرير الأهرام لمده 17 عاماً، كما بدأ عام 1957م في كتابة عموده الأسبوعي بالأهرام تحت عنوان “بصراحة”، والذي انتظم في كتابته حتى عام 1994م.
ساهم الكاتب المخضرم في تطوير جريدة “الأهرام” حتى أصبحت واحدة من الصحف العشرة الأولى في العالم, كما أنشأ مجموعة المراكز المتخصصة للأهرام ومركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، بالإضافة إلي مركز الدراسات الصحفية ومركز توثيق تاريخ مصر المعاصر.
سياسة وصحافة
إلي جانب العمل الصحفي شارك “محمد حسنين هيكل” في الحياة السياسية حيث تولي منصب وزير الإرشاد القومي عام 1970م، وذلك تقديراً لظرف سياسي وعسكري استثنائي بسبب حرب الاستنزاف بعد أن تكرر اعتذاره عنه عدة مرات.
شهد “حسنين هيكل” الحياة السياسية في مصر بفتراتها المتفاوتة، وعلي الرغم من صداقته الشديدة للرئيس الراحل “جمال عبد الناصر”، إلا أنه اختلف مع “السادات” حول التعامل مع النتائج السياسية لحرب أكتوبر حتى وصل الأمر إلي حد اعتقاله ضمن اعتقالات سبتمبر 1981م.
يُعد أحد ظواهر الثقافة العربية في القرن العشرين، كما أنه مؤرخ للتاريخ العربي الحديث وخاصةً تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي, حيث قام بتسجيل سلسله من البرامج التأريخية على قناة الجزيرة، ولديه أيضاً تحقيقات ومقالات للعديد من صحف العالم في مقدمتها “الصنداى تايمز” والتايمز” في بريطانيا.
كما قام بنشر أحد عشر كتاباً في مجال النشر الدولي ما بين 25- 30 لغة تمتد من اليابانية إلى الأسبانية، من أبرزها “خريف الغضب” و”عودة آية الله” و”الطريق إلى رمضان” و”أوهام القوة والنصر” و”أبو الهول والقوميسير”، بالإضافة إلي 28 كتاباً باللغة العربية من أهمها “مجموعة حرب الثلاثين سنة” و”المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل”.
الفصل قبل الأخير
وفي الفصل قبل الأخير من حياة هيكل وعقب فوز محمد مرسي بمنصب رئاسة الجمهورية كأول رئيس مدني للبلاد، وصفه هيكل في حواره مع صحيفة “صنداي تايمز البريطانية”، بأنه رجل طيب جدا على المستوى الشخصي، إلا أنه غير متيقن بمدى معرفته بالعالم العربي والسياسة المصرية.
واعتقد هيكل أن النجاح لن يكون حليفا للإخوان، ومع ذلك يؤمن بضرورة منح مرسي والحركة الإسلامية التي يمثلها الفرصة، قائلا “لقد ظلوا في مسرح الأحداث ردحا طويلا من الزمن، وهم يشكلون تيارا يظن البعض أن فيه الخلاص”.
وقبيل إجراء انتخابات الرئاسة، طرح هيكل في حوار مع صحيفة ” الأهرام ” عدة تساؤلات، في حالة فوز محمد مرسي بمنصب الرئيس، كان من بين تلك التساؤلات: كيف يتصرف الرئيس مرسي إزاء وزارة الداخلية، وللإخوان ثأر معها؟ وكيف يتصرف مع وزارة الدفاع، وللإخوان خطة للنفاذ إلى الجيش، باعتباره وسيلة السيطرة الكبرى؟ وإذا وقع ذلك فأين نظرية الأمن المصري؟ مع العلم بأن قواعد الأمن القومي المصري بحكم الجغرافيا والتاريخ عربية، وليست إسلامية.
إلى ما سبق من تحديات وضعها هيكل أمام الرئيس مرسي، تساءل أيضا: ماذا يمكن أن يحدث بين الرئيس مرسي وبين الأزهر، وبين الكنيسة، ومع المحكمة الدستورية العليا؟ ما يمكن أن يفعله الرئيس مرسي مع مؤسسة التعليم، ومؤسسة الإعلام، ومؤسسة الجيش الموصولة بالأمن القومي، ومؤسسة الأمن الموصولة بأمن المواطنة، ومؤسسة الثقافة الموصولة بالعالم وبالعصر؟ وقرر هيكل “هناك إذن معضلة”.
ورغم ما طرحه من تحديات وتساؤلات لم يجب عليها، قال هيكل: “إنني واحد من الناس الذين طلبوا ومازالوا يطلبون فرصة حكم للتيار الديني، يجرب فيها مسؤوليات الدولة، لكن التصرفات حتى الآن تدعو للقلق، والقضية أن الإخوان إذا كسبوا فهي معضلة تواجه البلد، وإذا خسروا فهي معضلة أخرى تواجه البلد أيضا”.
وسرعان ما تبددت حميمة الودية حين اتهم هيكل الإخوان في حوار مع صحيفة “الأهرام”، أنهم اغتالوا النقراشي باشا، وحاولوا اغتيال عبد الناصر في الإسكندرية، واستخدموا العنف أحيانا للدفاع عن قضاياهم، واستعمالهم في معركة الخلافة بين الطامعين فيها من القادة العرب، وعلاقة الإخوان بحركة طالبان وتنظيم القاعدة، فسارع أنصار الجماعة إلى الهجوم عليه.
وبعد حوار هيكل مع صحيفة الأهرام في شهر يونية من العام الماضي، قام الدكتور محمود غزلان، المتحدث باسم الجماعة بالرد على وقائع ذكرها هيكل حول الجماعة، قال إنها أساءت إليهم، وتعلقت بضلوعهم في اغتيال النقراشي باشا، ومحاولتهم اغتيال جمال عبد الناصر في الإسكندرية، واستخدامهم العنف أحيانًا في الدفاع عن قضاياهم، واستعمالهم في معركة الخلافة بين الطامعين فيها من القادة العرب، وعلاقة الإخوان بحركة طالبان وتنظيم القاعدة.
أما علاقة هيكل مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقد بدأت في مارس 2010 عندما تولى السيسي رئاسة المخابرات الحربية، فقد تحدث عنه هيكل وأشاد بكفاءته وقدراته، وبعد ثورة 30 يونيو 2013 قال هيكل: إن المعلومات التي وصلته عن السيسي مباشرة، وينتظره مستقبل كبير، ويرى فيه ناصر آخر في مصر، بل يراه أكثر الأشخاص المؤمنين بأفكار عبد الناصر.
ووصف محمد حسنين هيكل قبل رحيله عبد الفتاح السيسي، المرشح المحتمل في ذلك الوقت لرئاسة الجمهورية وقبل أن يترك منصبه في وزارة الدفاع، بأنه مرشح الضرورة، قائلا: «تجربة مصر مع المؤسسة العسكرية والمشير السيسي، لابد وأن تنجح»، مضيفا أن الأقدار والأوضاع الحالية التي تمر بها مصر، هي التي وضعت الجيش والسيسي في هذا الموقف، على حد قوله.
وعن أسباب انحيازه للسيسي، أوضح هيكل أن السيسي قادم من المؤسسة العسكرية، التي تعد المؤسسة الوحيدة القادرة على مواجهة المخاطر في اللحظة الراهنة، قائلا: «ليس لدي أي حساسية من الخلفية العسكرية للسيسي، وأراها هي الأنسب والأكثر ضرورة»، منوها إلى أنه يبحث عن رجل وليس زيا، على حد قوله.
ونفى هيكل ما تردد في بعض وسائل الإعلام، حول أنه من ضمن أفراد الحملة الانتخابية للسيسي، مشيرا إلى أنه لا يحبذ أن يكون للسيسي حملة من الأساس، قائلا: «لا ينبغي أن يكون للسيسي حملة أو برنامج، لأنه يجب أن يقدم نفسه بصفته الرجل الذي يستطيع المواجهة والخروج من الأزمة».
وعن علاقته بالسيسي، قال هيكل إن علاقته بالسيسي ليست كما يتصور البعض، وليس كعلاقته بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، قائلا: «أنا خبير في عبد الناصر، لأني كنت أتصل به أكثر من ثلاث مرات يوميا، وكنت ألتقي به أربع مرات أسبوعيا، لكن السيسي لم أراه سوى مرات قليلة، ولم أتصل به كل يوم».
وأضاف: أنه من خلال لقاءاته القليلة معه، يرى أن المشير السيسي رجل مستوعب للتاريخ المصري، ولديه قدر كبير من التصميم والإرادة، مشيدا بموقفه يوم 3 يوليو الماضي، وقدرته على اتخاذ خطوة.
وبعد هذه التصريحات وافق السيسي على مقابلة هيكل والجلوس معه، واستمر اللقاء ثلاث ساعات، كان هيكل فيها هو المستمع، والسيسي هو المتحدث، وكانت تلك هي آخر مقابلة بينهما، فقد كان السيسي وزيرا للدفاع وقتها وبعد وصوله للرئاسة اختفى هيكل من قائمة المحيطين بالرئيس، ولا يعلم أحد حتى الآن ما سر الفتور الذي أصاب العلاقة بينهما؟.
وفي رسالته الأخيرة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، قبل وفاته بشهر ونصف فقط التي وجهها هيكل للسيسي عبر إحدى الفضائيات نصح هيكل السيسي بـ”أن يشغل البلد كلها بطاقتها الكاملة”، موضحا أن العالم بأجمعه يتغير.
وقال هيكل في هذه الرسالة المفتوحة: “لابد من حشد كل قوى الوطن على رؤية.. وأنا مش شايف حشد لهذا البلد ولا رؤية”.
وأشار هيكل إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يحمل نوايا طيبة وأماني تُثير الاحترام والتقدير، مضيفا: “لكن بالفعل القطار توقف عند المحطة فترة طويلة جدا، والشيالين نزلوا والركاب طلعوا، والناس زهقوا، وبدأوا يتسألون متى الحركة؟ امتى القطر هيمشي؟ وكمان هما مش عارفين هما رايحين فين”.
واعتبر هيكل قبل رحيله أن الأمور تسير في مصر بمبدأ “التمني” الآن، مضيفا: “هذا هو الخطر الذي أخشاه، ويجب أن تلتف حول السيسي قوى واضحة، ويشمل الخطاب الرسمي للرئيس دعوة واضحة لمشاركة الجميع لمواقف محددة ومفصلة ومدروسة.. نحن نواجه ما لم نقم بدراسته بشكل كاف”.
وحتى آخر لحظات عمره كان مهموما بالوطن مشغولا بمصيره، كان يدرك بحكم خبرته والسنوات الطويلة التي قضاها في دهاليز الأنظمة الحاكمة، أن مصر جُرّفت ففقدت قواها، وأن التحرك إلى المستقبل أمامه عقبات خطيرة.. في آخر حوارات “الأستاذ” محمد حسنين حذر هيكل المصريين من مصير مجهول ينتظرهم، وقال إن مصر على حافة الخروج من التاريخ، وإننا نضرب حاليا في الظلام، وهو ما جعل الشباب أمام خيارين: إما اليأس أو الإرهاب.
فهيكل في آخر حواراته كان مشفقا على الرئيس عبد الفتاح السيسي، متعجبا من كم التحديات التي تواجهه، موضحا أن الفريق المعاون للرئيس يحتاج إلى التحرك بشكل أكبر، وقال نصا: “الرجل (يقصد السيسي) كان الله في عونه، جاء في وطن تم تجريفه وأخطاء تاريخية لا أريد الدخول فيها، فوجد أرضا في منتهى الصعوبة وطرق المستقبل كلها عقبات لابد أن ترفع حتى يكون بوسع هذا البلد أن يتقدم، وأن تكون معه قوى واضحة، وأن يكون الخطاب الرسمي فيه دعوة واضحة لمشاركة الجميع ومواجهة مواقف محددة ومفصلة”.
وأضاف: “لا يمكن أن يعمل الرئيس بأربعة، الفريق المعاون للرئيس يحتاج أن يكبر جداً، وأن يكون ممثلا لشيء والفريق المعاون للرئيس في أحسن الأحوال لديهم نوايا طيبة، ولكن هناك بيروقراطية لتسيير الأمور وليس للتغيير، وهذا البلد يحتاج للتغيير أكثر من التسيير، ونحن في لحظة خطرة، ويجب أن يكون هناك مقصدا واضحا وخريطة لما نريد أن نذهب، ويحدد هذا حوار بين كل قوى الوطن، وهذا غير حاصل”.
وقال هيكل في ذلك الوقت: إن الرؤى أمام الرئيس لا تكفي لتعكس التصورات الكثيرة للمستقبل، وطالبه يفتح المزيد من المجال العام، ولم ينس الأستاذ أن يعطي للسيسي وصاياه قبل إلقاء خطابه بالبرلمان، وطالبه بأن يجهز نقاطا واضحة دون كلام كثير، وأن يكون أكثر تحديدا في شرح التحديات التي تواجه البلاد.
أسطورة الصحافة العربية أكد في آخر حواراته أنه لا يمكن أن يكون هناك خارطة للمستقبل دون أن يكون الشباب جزءا منها، خاصة أنه نصف سكان مصر، موضحا أن جزءا من الأزمة التي تعيشها مصر أن الشباب الذي خرج في 25 يناير وكانت حدوده وقتها السماء، أصبح الآن محبطا بسبب شعوره بأن ما فعله ذهبت ثمرته للإخوان.
أما الفصل الأخير في حياة هيكل فقد كان في يوم الأربعاء 17 فبراير/شباط 2016، عندما توفي هيكل عن عمر ناهز 93 عاما بعد صراع مع المرض.
اختلف مع صحيفة مكة على هذا المسخ المسمى هيكل فلا يجدر بصحيفة سعودية ان تخصه بمساحه صحفيه فلقد اساء للملكة العربية السعودية في عدة مقالات وكان ينافح عن ايران ونظامها عليه من الله ما يستحق.
وسائلنا الإعلامية وللأسف الشديد دائما تمجد من يسب ويشتم بلدنا