المقالات

المشروع الايراني في المنطقة العربية

الراصد لأداء الحكومة الإيرانية وعلاقتها بالمنطقة العربية يجد أنها تمتلك تصورًا وبرنامجًا وخطة عمل للدخول والانتشار بالدول العربية من خلال فكرة تصدير الثورة، ونشر الفكر الشيعي ليس حبًّا بالإسلام أو بالمبدأ الشيعي، ولكنه وسيلة لاختراق المجتمعات العربية ومن خلال انتهاج آليات وأساليب متعددة ومختلفة انطلاقًا من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، ومنها نشر البلبلة ونشر التفكك الاجتماعي والسياسي، ومحاولة الاستحواذ على بعض الفعاليات الاقتصادية في بعض الدول العربية وبالذات الخليجية أو في دول شمال إفريقيا. كما تمارس إيران دور عدواني واستفزازي لبعض الدول العربية كانتهاجها للحرب الإلكترونية والاختراقات لبعض الكيانات العربية، وبث ونشر الفرقة لتضعيف الجبهة الداخلية للدول العربية وإمكانية استيلائها على بعض المرافق السياسية والاقتصادية كما حدث في لبنان وسوريا والعراق واليمن… وكما تحاول توسيع نشاطها الاستيطاني في دول الخليج وبعض دول شمال إفريقيا. وقد قامت دار الخليج بتجميع وتحليل ما كتبه بعض الكتاب والمفكرين وما نشر في وسائل الإعلام عن هذا المشروع.

ولتحضير ايران مشروعها قامت بدراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع العربي، وتعرفت على نقاط الخلل والضعف حيث إن معظم الدول العربية تفتقد لمتطلبات التنمية الوطنية كالخدمات العامة والإسكان وتوفر المرافق لمجتمعاتها، كما أن وسائل الإعلام العربية تشكو من حالة فقر دم وضعف الرؤية وضحالة الطرح وفقدان الهوية. وعلى هذه السلبيات وضعت إيران برنامجها لاختراق المجتمعات العربية من الداخل.

وقد درس الإيرانيون الواقع العربي، وتبين لهم عدم وجود الرؤية للتنمية البشرية في المجتمعات العربية والتناحر داخل المجتمعات العربية والإقصائية والإقليمية والمناطقية وضيق الأفق عند بعض الشباب وتصنيف المجتمعات والتراشق بين المجتمع السني وضعف وسائل الاعلام في تكوين جيل له القدرة على العطاء ويعطي ولا يأخذ ويستلم المعلومات ويفلترها، وتبين لهم ضعف ظاهرة الحب بين أعضاء المجتمع؛ حيث إن ثلثي الأمة العربية شباب والشباب يفتقدون لأبسط الحقوق في الحياة المدنية كتوفر الوظائف والسكن والرعاية الصحية والتربوية؛ لذا فهم قنابل موقوته تُضلل من قبل القنوات الفضائية ووسائل الإعلام. إن سياسة إيران تقوم على تنفيذ أهداف “مشروعها” الطائفي وتمكينه كما تحقق في لبنان والعراق واليمن وسوريا وبعض دول شمال أفريقيا لأغراض السيطرة السياسية؛ حيث أنشأت في سبيل ذلك المراكز التي تبث آراء وثقافة “المشروع الإيراني”، وتوزع الكتب والمجلات من أجل الترويج له وتمكين مبادئه، وتوسيع أركانه ونفوذه وشراء الكثير من الذمم في المنطقة العربية لتحقيق ذلك. إن ما يصبو إليه المشروع الإيراني في أكثر من قطر عربي، هو التفتيت الطائفي والاجتماعي، والاستحواذ على بعض الفاعليات والمشاركات الاقتصادية بالمشاركة مع بعض مواطني الدول العربية كما يحدث في بعض دول الخليج العربي.

وهذا المشروع سيساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في إشغال المجتمعات العربية عن القضية الرئيسية وهي القضية الفلسطينية وعن مواجهة المشروع الصهيوني العالمي والانشغال بالتنازع الداخلي. وهذا ما أشار إليه الكثير من الكتاب والسياسيين وبعض المفكرين من أن إيران بمشروعها هذا يقع في خانة “العداوة”، لأنه مشروع مُعادٍ للأمة العربية. إن المشروع الإيراني ونزعته التوسعية الجغرافية في بعض الدول العربية كالعراق وسوريا واليمن كأمثله حية ماثلة للعيان لهذا المشروع، والذي يهدف للهيمنة على منطقة الشرق الأوسط ودولها وشعوبها ومواردها وثرواتها، وإخضاع الأكثرية فيها ودعم الأقليات فيها؛ وذلك لمحاولة فرض هيمنتها وسلطتها (حلم إعادة الإمبراطورية الفارسية) وربط مسارها ومستقبلها واستقرارها بهذا المشروع ونجاحه وبسط سلطته، من خلال جعل المنطقة تعيش في حالٍ من الفوضى والقلق والصراعات.

من خلال تنفيذ خطه فارسية استخباراتية طويلة الأمد لبث الغوغائية بالدول العربية واستغلال الفكر الشيعي، وهو ما يتماشى مع المشروع الغربي لعمل الفوضى الخلاقة بالدول العربية.

إيران لديها مشروعها السياسي مثلها مثل أمريكا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وإسرائيل، فمشروعها خطره عظيم لأنه لا يدركه أحد فهو ينخر الكيانات من الداخل مستغلًا استقطاب الشباب في بعض بلدان المنطقة العربية وتجنيدهم للعمل لصالح مشروعها. وتقوم ببعض الأعمال الاستفزازية كعمل مناورات على حدود الخليج والأعمال المخابراتية وتجنيد الشباب وبعض قادة الحركات والمنظمات المريضة سياسيًّا لتقويتها للعمل لمصالح وخدمة المشروع الإيراني. إن المشروع الإيراني في المنطقة العربية مشروع عبثي ظاهره اقتصادي وديني (يتماشى مع الفكر الصهيوني للتفرقة العربية) ولكن حقيقته وباطنه بث الفتن وزعزعة المنطقة العربية بحجة فكرة التوسع الشيعي، في حين أن الواقع عكس ذلك فهم يصرفون مليارات الدولارات على هذا البرنامج منتهجين أساليب استخباراتية وإعلامية وعدائية كالحرب الإليكترونية والتضليل الإعلامي ونشر مشروعهم التربوي لطمس الهوية العربية…. مستخدمة فيها كافة الوسائل وشتى الطرق لنشر وإقامة مشروعها في المنطقة العربية ضاغطة على خزينة الدولة في طهران في ظل غياب الهوية العربية والاستراتيجيات الإعلامية الواضحة عند بعض الدول العربية.

يشير الكثير من الكتاب والمفكرين إلى أن ما يطمح إليه الإيرانيون الآن ليس عداء الإسلام وإزالته؛ فهذا ليس من مصلحتهم بعد أن اعتنقوا الإسلام حيث إن هناك فرق بين التشيع كمذهب إسلامي وبين الفكر الفارسي والمشروع العدائي للأمة العربية الذي يهدف إلى تحريف الإسلام والانتقام لمعركة القادسية وانتهاء إمبراطوريتهم إلى مزابل التاريخ. تخوض إيران حربًا شرسة ضد توحد الدول العربية وتفكيكها، عبر وسائل إعلامية، متلفزة ومسموعة ومطبوعة وإلكترونية، ونشر الفكر الغوغائي والفوضي الخلاقة بين شعوب المنطقة وهي حرب تسخر لها طهران إمكانات مالية هائلة جدًا، وتعبر من خلال بواباتها الإعلامية المنتشرة في العالم العربي أو الغرب إلى الجمهور العربي في محاولة لاستقطابه أو خلخلة مواقفه أو إثارة العداوات تجاه الأنظمة أو تجاة حكام المنطقة، وتهييج الشعوب ضد قياداتها وانتهاج التراشق الإعلامي مستغلة بعض الأخطاء الإدارية أو السياسية أو الاقتصادية في بعض الدول العربية؛ لتحقيق أهدافها. لقد بدأت إيران منذ عام 2003 فعليًّا مخططًا مختلفًا للسيطرة الإعلامية في العالم العربي، تجلى ذلك بوسائل مختلفة، وقد زاد ذلك بعد دخولها للعراق وبعد الأزمة السورية، حيث سارعت إيران إلى زيادة تسللها إلى الإعلام العربي، والمراقب للفضائيات والإعلام المطبوع والإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي يجد تمددًا غير طبيعي للتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية وزعزعه أمن وتلويث أفكار كثير من أفراد بعض الشعوب العربية من خلال هذه السيطرة الإعلامية. وتمتلك إيران إمبراطورية إعلامية هي الأكبر على مستوى المنطقة وواحدة من أكبر الإمبراطوريات الإعلامية في منطقة آسيا. وتسيطر وكالة بث الجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIB) وهي مؤسسة حكومية تشرف على السياسات الإعلامية الخاصة بجميع المحطات التليفزيونية وإذاعات الراديو في البلاد. يظهر الإعلام الإيراني عداوته لليهود والأمريكان ويرفعونها شعارات في المظاهرات والأماكن العامة، ولكن الواقع أنهم على اتصال مستمر وفي تحالف استخبارتي متواصل. ويمارس الإعلام والفكر الإيراني ازدواجية في المفاهيم فهم يدّعون شيئًا ويمارسون شيئًا آخر وهم يعترضون على عدم أحقية التدخل في الشؤون الداخلية كقضية الأحواز والبلوش، ولكنهم يتدخلون في القضايا العربية ويشتمون الغرب، ولكنهم على تفاهم وجلسات سرية مشتركة بينهم. ويشير كثيرًا من الكتاب والباحثين إلى أن الدول العربية ليس لديها مشروع قوي لمواجهة المشروع الإيراني.

إذ لابد من معالجة هذا البرنامج من كافة الدول العربية. لابد من وجود استراتيجية إعلامية وحملة توعوية لتهيئة الموارد البشرية لتكوين جيل يعطي ولا يأخذ ويقبل الفكر الآخر ولا يستلم أي معلومة بدون فلترة؛ حيث إن نشر الحب بين أفراد المجمتع من سلوكياتنا العربية والإسلامية. ولابد من التفاهم مع عقلاء الشيعة بحقيقة العدو الفارسي وضرورة ولائاتهم لدولهم. كما لابد من إشعار جميع أفراد المجتمعات بقبول البعض وعدم إعطاء الفرصة للعدو الخارجي لاختراق الداخل. السؤال القائم الآنما مدى جاهزية الإعلام العربي والخليجي للتصدي للإعلام الإيراني ؟

د .توفيق عبد العزيز السويلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى