تُعد صفة النجاح من الأمور الضرورية والمهمة في حياة كل إنسان؛ حيث تضفي عليه البهجة والسرور، والسعادة والحبور، كما تدفعه إلى بذل المزيد من التقدم والسمو، والرقي والعلو. ويكون للنجاح قيمة كبيرة، وأهمية عظيمة؛ إن ظفر الفرد فيه بالتميز العالي على زملائه، واستحوذ الترتيب المرتفع بين أقرانه، وكان سلوك التميز منهاجًا لأعماله، وعنوانًا لحراكه وتحركاته؛ ليكون بعد ذلك ماركة مسجلة في كل صفاته، وجميع تصرفاته. وإن الفرد ليحوز على التميز بأعماله الروحية، وأفعاله التعبدية التطوعية، التي تكون غير واجبة، كصوم التطوع، وقيام الليل، وبذل الصدقات، كما يتميز الإنسان بصفاته الخلقية النبيلة، ومعاملاته الراقية الرفيعة ، كالكلام الطيب، والمبادرة بالسلام، وصلة الأرحام والجيران، كذلك يمتلك الشخص سمة التفرد والتميز؛ عندما يطرح في عمله آراء جديدة، وأفكار مفيدة، أو يأتي بنتائج غير مسبوقة، وصنائع جميلة فريدة؛ لم يفعلها أو يفكر فيها غيره.
ومن الدلالات الخاصة في الشخص المتميز؛ أنك تراه هادئ الطباع، قليل الانفعال، متزن الكلام، يفكر بتؤدة وروية، ويهتم بالحال الباطن أكثر من الحال الظاهر، كما تجده حريصًا على التنظيم والترتيب، والدقة في المواعيد، والعمل الجاد، والصدق في الأقوال، والإخلاص في الأفعال. كذلك فإن العلاقات الاجتماعية للفرد المتميز تقوم على النبل والوفاء، والتقدير والاحترام، وهو يقبل النقد البناء بروح راضية، ونفس شاكرة، كما تراه يسدي النصائح لزملائه بصدق وشفافية، وصفاء نية، دون محاباة، ولا مجاملة؛ فالهدف هو الرفعة ونشر المنفعة. ولعل من أهم الدوافع التي تدفع الفرد إلى التميز على الآخرين؛ هو الطموح المرتفع، والولاء الكبير للعمل الرئيس، وتوفر الجرأة والحماس، وامتلاك العزم في الإقدام، والهمة في النضال، مع صيانة وحصانة من دوافع التملق والنفاق، وبواعث الخداع ولفت الأنظار، وكل أمر مذموم، وفعل مرفوض.
وفي مقابل هذه الشخصية؛ نجد الشخصية الخامدة الخاملة، النائمة المتراخية، التي تتملص من المسؤولية، وتقتات من غيرها المساندة والمساعدة، تلك الشخصية التي تجدها تناقش كل شاردة وواردة بلغة فظة، وحجة ضعيفة، فهي صاحبة نفسية مضطربة، أو عقلية متوقفة، والتي لن تحوز على مركز عالٍ، ولا مكان مرتفع، بل ستتكور في إحدى الحفر، أو ستضيع في وسط الزحام. فإلى كل عاشقٍ للقمة، وطامح في الصدارة؛ عليه دائمًا طلب العون والتوفيق، والنجاح والتسديد؛ ممن بيده مقاليد الأرض والسماوات “جل جلاله”، ومرددًا:﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾، ثم العمل وفق رؤية واضحة بينة، وخطة حكيمة محكمة؛ يلتزم ببنودها، ويسير وفق خطوطها، على أن يسبقها نية خالصة، وهمة عالية، وعزيمة صادقة. مع يقين في قرارة نفسه؛ أنه لن يسلم من حسد الحاسدين، ولا من حقد الحاقدين، ولا من رسائل المحبطين والمتشائمين، بل سوف تتكاثر في طريقه العقبات، وتنمو في دربه المنغصات، لكنها ستختفي وتتلاشى؛ عندما يطلب العون والثبات من العظيم الخلاق، وعندما يشعل في روحه الصمود والصعود، والتحدي والإصرار، لينال بعد ذلك: الثواب الجزيل، والمقام الجليل، والمكان الجميل، والوضع البهيج.
د.عبدالله سافر الغامدي