إن نادي مكة الثقافي الأدبي من منطلق رسالته السامية ومسؤوليته الثقافية والوطنية وحرصه على أن يكون معاولًا لبناء اجتماعي وتربوي وتعليمي .. نظم ملتقًا ثقافيًّا بعنوان (الشباب والأمن الفكري) ؛ حيث جاء في وقت أحوج ما يكون فيه المجتمع إلى مثل الأطروحات حيث بلغ التغرير بشبابنا مبلغه وبكل وسائل الهدم .
وقد حرص الملتقى أن تكون انطلاقته قوية ومؤثرة وذلك بمحاضرة عقدت مساء الأحد 24/7/1437هـ من قامةٍ تمتلك باعًا طويلًا في توجيه الأمة إلى منطلقات الرشاد وهو معالي/ الدكتور عبد الرحمن السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، والذي كان ولا يزال يضع الشباب في عمق وجدانه؛ فهو ما فتئ يقدم لهم النصح والتوجيه وضرورة طاعة ولاة الأمر وعلماء الأمة ويحذرهم من مغبة أخذ العلم من المواقع المشبوهة ومدعي العلم.
وقد جاءت محاضرته (الشباب والوسطية والفكر المتطرف) بمثابة خارطة طريق عملية لنكون أمة الوسطية والاعتدال والبعد عن الفكر المتطرف. ولتكرس لمفاهيم الأمن الفكري في أذهان الشباب. وقد استثمر النادي هذا الحدث التاريخي الاستثنائي ليجعل المحاضرة (وثيقة علمية) يعتمد عليها في محاربة الإرهاب وحماية الشباب من التطرف والانحراف وهي بذلك وثيقة شرف لنادي مكة الثقافي الأدبي .
ولم يكتفِ النادي بهذه الانطلاقة، بل قدم برامج توعوية والوصول إلى الشباب في مقارهم التعليمية ..بالإضافة إلى النشرات والبروشورات التوعوية، وفيلم عن مآرب هذه الجماعات وكيفية التغرير بشبابنا . وأما مسك الختام فقد كان حوارًا مفتوحًا مع الشباب من طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية والمرحلة الجامعية .. والذي شارك فيه قامات تربوية وتعليمة لها وزنها في مجال توجيه الشباب وهي: سعادة الأستاذ محمد بن مهدي الحارث مدير التربية التعليم بمكة المكرمة، وسعادة د. عبد العزيز سروجي وكيل جامعة أم القرى للشؤون التعليمية، سعادة د. سعيد الزبيدي من المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني .. وكل أدلى بدلوه في مجاله التربوي والتعليمي والتدريبي .
وحقيقة فقد جاء الحوار مع شبابنا مثلجًا للصدر بأن نرى تلك الوجوه الطيبة الغضة الطرية .. والنفوس المشرقة بالأمل والتفاؤل بأن تكون بين الحاضرين ونخبة المجتمع لنستمع لأرائهم ونناقش أفكارهم ونرد على أسئلتهم الملحة ونحاورهم في قضايا متنوعة ..فهم عدة الأمة وثروتها الحقيقية الذين نعول عليهم في البناء والتنمية . وإنها لخطوة رائعة من نادي مكة الثقافي الأدبي أن فتح مجال الحوار مع الشباب ليس في هذا الملتقى وحسب بل في كل ملتقياته السابقة؛ فهو لم يكتفِ بدعوتهم للحضور ولكنه ذهب إليهم في مقارهم وفي مناسبات مختلفة ومنها الأحياء المكية والتعاون مع جمعية مركز الأحياء المكية، لأن دورنا كمؤسسات وأفراد…هو توجيه هذه الطاقات ورعايتها والاهتمام بإبداعاتها؛ فالأسرة والمدرسة والمسجد والإعلام والمؤسسات الثقافية والأدبية… كلها يجب أن تكون في خندق (رعاية الطفولة والشباب) وتحصينهم من الفكر المتطرف؛ فباب الفضاء الإلكتروني الذي يقتحمه شبابنا اليوم أصبح مفتوحًا على مصرعيه، وهناك الكثير من خفافيش الظلام من ذوي الإعاقات الفكرية الذين يستهدفون شبابنا وجره إلى ويلات الإرهاب والتطرف والفكر المنحرف .
والحوار هو سبيلنا وطريقنا للإصلاح في المجتمع المسلم فقد جاء القرآن الكريم في معظم آياته يُعنى بالحوار وهو يقوم على اللين والحجة والبرهان والحكمة: من ذلك قول الله تعالى﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (125) سورة النحل .
فمبدأ الحوار قد بدأ منذ بدء الخليقة حيث الحوار ليس بين الإنسان والإنسان فحسب وإنما بين الله جلّت قدرته وبعض خلقه بمن فيهم إبليس عليه لعنة الله .. وكيف كان الله يظهر الحق في نهاية الحوار ليؤمن به الجميع. وهذا ما يجب أن تنتهجه جميع المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية..؛ فمن خلال الحوار الهادئ المتزن تُكتسب القيم والمبادئ ويتم تعديل السلوكيات الخاطئة .
كل الشكر لجميع الحاضرين والحاضرات لحضورهم ومشاركتهم هذا العرس الثقافي التربوي الاجتماعي، كما أجزي أسمى آيات التقدير والعرفان لرئيس نادي مكة الثقافي الأدبي د. حامد الربيعي، ولنائبه سعادة د. ناصر السعيدي. ولأعضاء مجلس الإدارة وخاصة الماسيترو المحرك للنادي وهو سعادة الأستاذ علي يحي الزاهراني ..على جهودهم الحثيثة وكذلك وجميع اللجان المنظمة التي كانت تسابق الزمن في الإعداد والتنظيم حتى كسب الملتقى الزخم التربوي والتعليمي الذي يليق بشبابنا .. فهم ثروتنا الحقيقة لتنفيذ رؤية 2030 فلابد من استثمار هذه الثروة وتوجيهها الوجهة الصحيحة .
فاتن محمد حسين