المقالات

تجليّات عمانية على مشارف جبل “التجلي”

حين اعتلى الشاعر أحمد العبري منصّة الشعر في إحدى قاعات جامعة جدارا في “إربد” الأردنيّة، خلال مشاركته في الملتقى الثقافي العماني الأردني الذي أقامه ” بيت الشعراء ” الأردني بالتعاون مع نادي “نزوى”، ألقى نظرة على الجمهور الذي كان معظمه من الطلبة العمانيين الدارسين هناك، وكانوا يرتدون الدشاديش، والمصار، فاختلط عليه الأمر، وشعر كأنّه يلقي قصائده في إحدى الجامعات العمانيّة، هذا المشهد تكرّر في لقاءات أخرى عديدة أقيمت ضمن أنشطة الملتقى الذي احتضنته “إربد” التي تقع شمال الأردن على الحدود المتاخمة لسوريا، وفلسطين، فحرص المشاركون على التقاط الصور التذكاريّة، وكانوا على مرمى بصر من أماكن عربيّة محتلة كهضبة الجولان، وبحيرة طبرية، وصارت خلفيّة لتلك الصور، فاختلطت حرارة اللقاء بالألم، وفي الهواء الطلق أقيمت أمسية شعريّة في “أم قيس” التي كان الرومان يسمّونها “مدينة الشعراء”، ويعود تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد، وحكمها اليوناني بطليموس، كانت تهبّ، مع كلمات الشعراء، نسمات منعشة من “جبل التجلّي”، الذي تجلى فيه السيد المسيح(ع) – ويسمى أيضًا “جبل طابور “أو “جبل الطور” – فـ”شع وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور “كما جاء في إنجيل متى، فتتجلّى المشاعر، وأهمّها مشاعر المودّة بين الأخوة العمانيين، والأردنيين، وإذكاء هذه المشاعر هو أبرز أهداف هذا الملتقى، كما أكّد عبدالله العبري نائب رئيس نادي نزوى، إلى جانب التعريف بالحراك الثقافي العماني في هذا الملتقى الذي تضمّن جلسات شعريّة، ولقاءات ثقافيّة، ومحاضرات، وجولات في أماكن أثريّة، وسياحيّة.
في تلك الأمسية كان تاريخ المكان حاضرًا، إذ نطق لسانه معبّرًا عن كل معاني الجمال، التي وجدناها في كلّ الأماكن التي زرناها في إربد، والسلط، والعاصمة عمّان، وأبرزها متحف دار السرايا بإربد،وآثار أم قيس التي حفر على أحد قبورها كلمات عميقة تشير إلى الإخاء، وتؤكد أن العالم هو وطن الجميع :
“أي عجب في ذلك أيها الغريب
كلنا نسكن وطنًا واحدًا
والعالم حواء
ولد جميع البشر
عندما شعرت بثقل السنين
حفرت هذه الأسطورة
قبل أن أنحدر إلى قبري”
كلمات أخرى قرأناها على باب إحدى المقابر حملت اسم الشاعر آرابيوس، تقول:
إليك أيها المار من هنا
كما أنت الآن كنت أنا
وكما أنا الآن
ستكون أنت
فتمتع وانهل من الحياة
فإنك فان”
وبالوقت نفسه كانت الأمكنة العمانيّة حاضرة في قصائد الشعراء العمانيين، كمسقط ، ونزوى، وصور، ومطرح، وصلالة، وقد تجلّت تلك الأماكن في قصائد الشعراء الأردنيين كالشاعر سمير قديسات الذي أقام في السلطنة سنوات، وأحبّها، وترجم هذا الحب في مجموعة ضمّت (34) قصيدة حملت عنوان: “أحبّ عمان”، صدرت بمناسبة الملتقى، وقام خلاله بالتوقيع عليها، ووجه معالي قاسم ابوعين وزير الثقافة الأسبق تحية حب إلى المشاركين، إذ خاطبهم:
أيها الجمع العتيد حبكم فينا يزيد
جاء من مسقط رهط يزدهي فيه القصيد
رحبوا فيه ومرحى يومكم عيد سعيد
ولقابوس سلام كسجاياه فريد
وكانت الحلوى العمانيّة التي حمل المشاركون في الملتقى كميّة منها تدور مع القهوة العمانيّة على الجمهور، فأضفت حلاوة على حلاوة القصائد، والكلمات.
ولم يكتف المشاركون بما حملوا من حلوى وقهوة، ولبان ظفاري، وبخور، بل وضعوا جوارها في الحقائب كتبًا لعل أبرزها الموسوعة العمانية، وموسوعة نزوى، وأخرى أهدتها جامعة السلطان قابوس، والجمعية العمانية للكتاب والأدباء، وعدد من الأدباء العمانيين، وكان الهدف من ذلك هو إيصال الكتاب العماني، والمعرفة العمانية إلى المثقفين الأردنيين .
وحين جهزنا حقائبنا للعودة إلى مسقط حملنا الكثيرون تحيات لخصها الشاعر سمير قدسات بقوله:
“سلامي إلى كل شبر بأرض عمان
ووقفة نخل بأرض عمان
سلامي إلى ثورة الموج
فوق الشواطىء
لما يقبل في كل يوم
تراب عمان “

عبدالرزّاق الربيعي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى