أحمد حلبي

معركة جالديران ضد الصفويين

يمتاز الأتراك بحبهم الشديد للتاريخ، ومحافظتهم على الأثار التاريخية وعدم السماح بإزالتها حتى وإن كانت ملكًا خاصًا، فأي أثر تاريخي يعتبرونه ملكًا للجميع، ويسعون لدعم صاحبه ليبقى بموقعه دون أي إزالة، وكلما جالست فردًا منهم مهمًا كان مستواه الاجتماعي أو الثقافي أو العمري وجدته متحدثًا عن تاريخهم بفخر واعتزاز كشعب كان أجدادهم فيما مضى يحكمون ثلث الكرة الأرضية ويسيطرون على مناطقها الاستراتيجية . وخلال زيارتي الأخيرة لتركيا التقيت بأحد الشباب التركي وهو طالب بالمرحلة الثانوية ودار الحديث حول الصفوية ومواقفهم تجاه السنة، فطلب الإذن بالحديث عن معركة جالديران التي وقعت قبل نحو خمسمائة عام وتحديدًا في عام 1514م في عهد السلطان العثماني سليم الأول ضد الشاه إسماعيل . وقال لم تكن هذه المعركة مستهدفة توسيع رقعة الدولة العثمانية، لكنها جاءت كرد فعل قوي لما أقدم عليه الشاه إسماعيل من مخططات أراد من خلالها بسط سيطرته ونفوذه فكانت بدايته استمالته قبائل القزلباش التركية العلوية المذهب إلى جانبه وجعلهم عماد جيشه، بعدها سعى لفرض المذهب الشيعي وإعلانه مذهبًا رسميًّا للدولة في إيران، فحدثت ردود فعل قوية في المدن الكبرى التي يعتنق سكانها المذهب السني .

وسعى الشاه إسماعيل إلى القضاء على دولة آق قويونلو والتي كانت تُشكل حاجزًا بينه وبين العثمانيين، وجعل الدويلات الكردية والقبائل التركية في جبال طوروس الصغرى, والأقليات المسيحية في أرمينية تحت سيطرته، واحتل بغداد وقام بهدم قبور أئمة السنة وذبح علمائهم . وقد أثارات هذه الأفعال السلطان سليم فقاد جيشًا قوامه مايقرب من مائة وأربعين ألف جندي تحرك من مدينة قونية وبعد وصوله لمشارف مدينة قيصرية بعث إلى حاكم مرعش وألبستان, طالبًا منه المساهمة في حرب الصفويين, لكنه اختلق الأعذار فتارة تحدث عن كبر سنه واعتلال صحته التي لا تساعده على السفر والحرب، وتارة أخرى تعلل بكونه تحت الحماية المملوكية.

ولم تكن أعذار علاء الدولة ذي القادر حاكم مرعش وألبستان مقبولة، فقد كان يخطط للإطاحة بالسلطان وجيشه فهاجم ساقة الجيش بإيعاز من السلطان قانصوه الغوري، فترك السلطان سليم نحو 40 ألف من جنده ما بين مدينتي سيواس وقيصرية للحفاظ على الأمن بمنطقة الأناضول من حدوث أية اختراقات من أي جهة من الجهات التي تنافسه, إضافة إلى حماية مؤخرة الجيش من أنصار الشاه وقوات حاكم مرعش والبستان الذي انتقم منه السلطان عند عودته من المعركة منتصرًا . وقال في إحدى رسائله “إن علماءنا ورجال القانون قد حكموا عليك بالقصاص يا إسماعيل, بصفتك مرتدًا, وأوجبوا على كل مسلم حقيقي أن يدافع عن دينه, وأن يحطم الهراطقة في شخصك, أنت وأتباعك البلهاء, ولكن قبل أن تبدأ الحرب معكم فإننا ندعوكم لحظيرة الدين الصحيح قبل أن نشهر سيوفنا وزيادة على ذلك فإنه يجب عليك أن تتخلى عن الأقاليم التي اغتصبتها منا اغتصابا, ونحن حينئذ على استعداد لتأمين سلامتك ” .

وجاءت معركة جالديران في أغسطس 1514م بين قوات الدولة العثمانية بقيادة السلطان سليم ياوز الأول ضد قوات الدولة الصفوية بقيادة إسماعيل الأول، وكانت الغلبة للقوات العثمانية التي تمكنت من احتلال مدينة تبريز عاصمة الدولة الصفوية، وأوقفت التوسع الصفوي لمدة قرن من الزمان، وجعلت العثمانيين سادة للموقف .

 أحمد صالح حلبي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى