(مكة) – نهى عزام
كتب مايكل كوغلمان في مجلة فورين بوليسي الأمريكة أن مقتل الملا منصور في غارة أمريكية في باكستان سلط الضوء على تطور العلاقة بين طهران وحركة “طالبان وبما يفتح الطريق لكشف العلاقة السرية بين داعش وإيران ”.
وذكر الباحث في معهد وودرو ويلسون بأن مسؤولين محليين عثروا على جواز سفر باكستاني بين حطام السيارة التي استهدفتها الغارة الأمريكية في محافظة بلوشستان الباكستانية، لافتاً إلى أن جواز السفر يعود إلى رجل اسمه والي محمد وفيه صورة شخص يشبه كثيراً الملا أختر محمد منصور، زعيم طالبان أفغانستان.
ونشرت تقارير صحافية باكستانية أن صاحب جواز السفر، وهو على الأرجح الملا منصور، كان عائداً من إيران التي كان دخلها في 26 من أبريل (نيسان). وهو كان سافر إلى هناك لبضعة أسابيع في فبراير (شباط) ومارس (آذار) الماضيين.
ويقول الكاتب إن قرار الملا منصور زيارة إيران وترك معقله في بالوشستان غريب، “فطهران ليست صديقة لطالبان، وإنما على العكس، تحالفت طويلاً مع التحالف الشمالي في أفغانستان وقوى أخرى معادية لطالبان. كذلك، اضطلعت طهران بدور رئيسي في مؤتمر بون لعام 2001 الذي أسس حكومة ما بعد طالبان”.
وفي السنوات الأولى للغزو الأمريكي لأفغانستان، قدمت طهران لواشنطن خرائط تظهر مواقع طالبان، وعرض جيشها تدريب 20 ألف أفغاني. ولايران أيضاً أسباب وجيهة لتنأى بنفسها عن طالبان، بما فيها اعتبارات طائفية.
ويلفت الباحث إلى الخلافات تذهب أعمق من ذلك بكثير. فلطالبان صلات مع جندالله، المعادية لحكومة الملالي، وهي تشرف على تجارة المخدرات المزدهرة التي تغذي وباء الهيرويين في إيران، واتهمت بقتل نحو 12 ديبلوماسياً إيرانياً في قنصليتهم في مزار الشريف عام 1998، ما دفع إيران وأفغانستان التي كانت تحكمها حركة طالبان، إلى شفير حرب.
ويقول الباحث إن السلطات الغربية لديها تفسير واحد لوجود الملا منصور في إيران، لافتاً إلى أن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نسبت إلى مسؤول أوروبي أن الملا منصور كان في طهران لتلقي العلاج بعيداً من مستشفيات باكستان وعيون الاستخبارات الباكستانية.
ومن جهتها، قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن زعيم طالبان كان في إيران في زيارة عائلية.
وفي أي حال، يقول الكاتب إن مسؤولين أمريكيين عرفوا مخبأه وتمكنوا بعد رصد اتصالات من تحديد مكانه. وبحسب الإذاعة العامة الوطنية كان المسؤولون الأميركيون يعرفون رقم هاتفه أيضاً.
ويمكن أن تكون رحلة منصور إلى باكستان مجرد رحلة لزيارة طبيب، يقول كوغلمان، إلا أنه يمكن أن تكون للزيارة أهداف أكثر خطورة أيضاً. فعلى رغم الإختلافات بين طهران وطالبان، فإنهما يتشاركان بعض المصالح الرئيسية وقد تعاونتا في مناسبات عدة.
وفي رأي الباحث أن بين طهران وطالبان علاقة تكافلية غير ظاهرة للعيان. فكلاهما قلق تحديداً من الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة، وهما تسعيان إلى تقويض نفوذها.
وقدم المحلل الأمني الدولي والمحرر الكبير في موقع لونغ وور جورنال حجة مقنعة عن صلات قديمة بين إيران وطالبان تعود إلى مطلع الألفية عندما كلف الملا عمر بحسب وثائق حكومية أمريكية حاكم ولاية هراة خيرالله سعيد والي خيرخوة تحسين العلاقات بين الحركة وطهران.
ونتيجة هذا الانفتاح، وافقت طهران على تزويد طالبان ألغاماً وأسلحة خفيفة. كذلك، وقع الجانبان اتفاقاً حدودياً يمكن طالبان من تهريب المال والبضائع والمقاتلين إلى إيران. كذلك، أدت مساعي خيرخوة إلى اختراق كبير في التعاون بين الجانبين، مع افتتاح مكتب لطالبان عام 2012 في مدينة زهدان التي تؤوي ملايين الأفغان الذين يعيشون في إيران.
وتاريخياً، يقول الباحث، ثمة عامل أساسي يحرك تعاون إيران وطالبان ويتمثل في قلقهما المشترك من الوجود العسكري الأمريكي ونفوذ أمريكي أوسع في أفغانستان. وكانت طهران تخشى مثلاً شن واشنطن هجوماً على منشآتها النووية من أفغانستان.
صحيح أن الظروف تبدلت حالياً. ومع سحب القوات القتالية الأمريكية من أفغانستان وتوقيع الاتفاق النووي بين طهران والغرب، قد يفترض البعض أن هذه التطورات ستبدد بعض قلق إيران من الخطط الأمريكية وتقلل حوافز طهران للتعاون مع طالبان. ولكن الباحث يلفت إلى سلسلة أمور تدعو إلى التفكير مجدداً في هذه الفرضية.
ويشير إلى تقارير عن تزايد مستويات تهريب الأموال والسلاح الإيراني إلى طالبان، وهو ما يفسر “الانفتاح الأخير لموسكو على طالبان نتيجة الخوف المشترك من تزايد نفوذ داعش في أفغانستان حيث أعلن الاف المقاتلين السابقين من طالبان، غالبيتهم في محافظة نانغارهار، ولاءهم للتنظيم الإرهابي. وقد ينضم بعض مناصري الملا منصور الذي أحبطهم الموت المفاجئ لزعيمهم إلى مقاتلي داعش.
وثمة عامل آخر قد يفسر تقارب طالبان وإيران هو رغبة الحركة في التحرر من الملاذات في باكستان. وبالنسبة إلى طهران، تشكل الحاجة إلى استراتيجية للتحوط حافزاً قوياً لاستمرار التعاون مع طالبان. ففي ظل الاضطربات في أفغانستان حيث الحركات المتمردة لا تزال قوية والحكومة الضعيفة تواجه مستقبلاً مجهولاً، تهتم طهران بالحفاظ على خيارات مفتوحة لها مع طالبان.