المقالات

إبليس الصحوة ليس في سناب شات

 لم يكن متوقعاً أن يتسابقَ علماء الصحوة إلى التفاعل حدّ الانغماس مع منجزات الحداثة وما بعدها في المجال التكنولوجي عقب مواقف تيارهم المتعصبة ضدّ الشاشة وما تقدّمه منذ نشأتها التي تشكلت بادئ الأمر على هيئة قنوات تلفزيونيّة واجهت محاربة ونقداً شرسين إلى درجة مقاطعة من يشاهدها ورفضّ السلام عليه في الطرقات بحجّة أنه يضع في سطح بيته صحن إبليس، فضلاً عن وصفه بالدياثة وضعف غيرته على أهل بيته. محتسبو زمن الصحوة آنذاك كانوا يتفقدون أسطح المنازل وهم يسيرون في الشوارع، ومن يجدون لديه صحن إبليس يهرعون إلى طرق باب منزله والإنكار عليه انطلاقاً من فتوى أصدرها الشيخ عبدالله بن جبرين رحمه الله، أقرّ فيها بأن “القنوات الفضائية هي مما يبثه أعداء المسلمين أو ضعفاء الإيمان، يرسلونها نحو أهل الإيمان والدين الصحيح؛ ليزعزعوا العقيدة ويشككوا في الدين الصحيح، ويثيروا الشبهات بما يبثون من الشبه التي يروجونها بين أبناء المسلمين، وكذا تحتوي هذه القنوات على ما يدفع إلى الفتنة، ويدعو إلى اقتراف المحرمات من الزنا واللواط والسرقة والقتل والحيل الباطلة التي يحكيها أولئك المذيعون”. لم يكن يعلم الشيخ الجليل ابن جبرين بأن أعداء الإسلام وضعفاء الإيمان المسؤولين عن القنوات الفضائية سيمنحون علماء الصحوة برامج مخصصة تضاهي في كثرتها أعداد البرامج المثيرة للفتن، بل لم يكن يعلم رحمه الله بأن هناك برنامجاً اسمه “سناب شات” سيستهوي أفئدة الصحويين ويحوّل الخطب المنبريّة المطوّلة إلى مقتطفات لا تتجاوز عشر ثوانٍ. الصحويّون استفادوا من درس معركتهم الخاسرة ضد التلفاز وقنواته الفضائية بعد أن تحولوا إلى جزء من الطوفان عقب تحطم سفينة النجاة التي كانوا يستقلونها ويطالبون الناس بالركوب معهم فيها، ولذلك لن يكرروا الخطأ مرة أخرى في زمن شبكات التواصل الاجتماعي، وتعلموا بأن يفكروا كيف يستفيدون من التقنية بدلاً من محاربتها، وهذه من أعظم محصلات تجربة التيار السلفي في السعوديّة، ولذلك جاءت الاستجابة مع (السناب شات) مختلفة تماماً عن استجابات الصحوة تجاه الشاشة في زمن الثمانينيات والتسعينيات.

عند جديثنا عن رموز الصحوة لا يمكننا أن نتجاوز الشيخ سلمان العودة (60 عاما) الذي اعتقل لخمسة أعوام ما بين 1994 وحتى 1999 بسبب آرائه المتشددة آنذاك في بعض القضايا الدينية والسياسية، قبل أن يتحوّل خطابه تحولاً جذرياً يتسم بالتسامح والمرونة التي قد يرى فيها بعض علماء الصحوة الآخرين حياداً عن المنهج وانحرافاً عما كان عليه في السابق، وما يهمنا هنا هو أن سلمان كان من أوائل العلماء الصحويين الذين أنشأوا لهم حسابات في برنامج (سناب شات)، وتمكن باقتدار تجاوز أسلوب خطابات المنابر وما يصاحبها من تكلّف يصل حد البذخ، ليظهر العودة في السناب حاسر الرأس أمام متابعيه وكأنهم جزء من عائلته، وهو انقلاب على أسس الصحوة التي تأسست على مبدأ حشد الجموع وإلقاء الخطب أمام الجماهير كوسيلة للتعبير والضغط الاجتماعي لتحقيق مصالح محددة، وفرض الواقع الذي يرونه مناسباً بالإجبار وليس بالحوار.

وحكى العودة عن تجربة دخوله إلى سناب شات بقوله: “دخلت بإلحاح من بناتي غادة وآسية لأجرب التطبيق وجربته فوجدت العفوية والتلقائية، ووجدت في رسائل السناب الخاصة تفاعلاً إيجابياً خالياً من المهاترات فصارت أرد على معظم الرسائل”. ومن جيل الصحوة الثاني نواجه الشيخ محمد العريفي (45 عاماً)، ويعد العريفي ظاهرة مختلفة في التيار الصحوي، فهو من أكثر علمائها ملازمة للبرامج التلفزيونيّة، له ما يزيد عن 15 برنامجاً لعب فيها دور البطولة، وفي قنوات اشتهرت ببث الأفلام والموسيقى كالأم بي سي وروتانا وإل بي سي اللبنانية، ولكنه رغم ذلك لم يشهد عداء من الصحويين، الذين كانوا يفضلون مناصحته في السر لكيلا يقفوا في صف الليبراليين المتربصين بالعريفي وغيره من أحفاد الصحوة، ولذلك لم يكن اتجاه العريفي إلى سناب شات هو مثار استغراب لدى العلماء أو أفراد المجتمع؛ لأنه اعتاد أن يكون الوجه الإعلامي للصحوة لما يمتلكه من مقومات تجعل منه صحوياً برتبة (سوبر ستار).

 ياسر صالح البهيجان

 ماجستير في النقد والنظرية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى