التعصب الرياضي علامة من علامات الاستسلام الكامل للعاطفة، وشكل من أشكال تغييب العقل عن واقع الحياة، ذلك أن واقع الحياة تتساوى فيه الأندية المتنافسة في مجمل الفرص، ويتدخل الحظ غالبا لترجيح كفة أحدهما، وحتى لو كان الحظ خارج اللعبة فإن الظروف الأخرى دوّارة، يوم لك ويوم عليك، ومن الواقعية أن تعي الجماهير ذلك، لتكون فرحتها بالفوز فرحة حقيقية، فرحة متممة لفوز ناديها المفضل ومرتفعة إلى مستواه.
التعصب الرياضي في الأصل هو سمة تلازم الفئات الأقل تعلما، لكنها لا تنحصر في تلك الفئات، هناك متعلمون بلغوا في العلم مبلغا عظيما، في الطب وفي سائر العلوم، فنانون وصحافيون، تجار واقتصاديون على السنام، سياسيون مثل أولئك الذين غضوا الطرف عن جماهيرهم الهائجة وهي تفتك برعايا الدولة المقابلة المقيمين فوق أرضهم للتكسب، ثم انفجار الموقف وتحول الحالة إلى حرب قتلت ثلاثة آلاف وأدمت خمسة عشر ألفا آخرين.
التعصب يؤججه بعض المعلقين والمحللين وكتاب الصفحات الرياضية ورؤساء الأندية الرياضية، كما تسعره جماعات المشجعين ورابطاتهم، يظل ذلك التشجيع ضمن حدوده الآمنة ما بقي المشجع عند حدود محبته لفريقه، لكنه يتطور إلى تعصب عدائي مثير للاشمئزاز، يتجاوز فيه المشجع محبة فريقه إلى كراهة الآخرين، وإلى جرح مشاعر المختلف معه، بطريقة يتخلى فيها عن اتزانه وعن مستواه العلمي والثقافي ليجعل من نفسه مكينة تنتج السباب والسخرية وازدراء خلق الله، والمتعصب العدواني الأقل تعليما مشكلته تستعصي على الحل، فإن كان مستواه التعليمي والثقافي مرتفعا فمشكلته أكثر استعصاء، ولا حلّ لها، وعلى الأقل لا أرى أفقا قريبا للخلاص منها.
المحاكاة العمياء سبب مهم في شيوع التعصب، يتناقل الناس أمثلة عن تعصب فلان بن فلان لفريقه، فتطمح النفوس لان تكون مثل فلان بن فلان فتتلبس الرداء ذاته، وهذا يذكرني بذلك القروي الذي زار أخاه في مدينة مجاورة، وعندما عاد لقريته عاد معجبا بابن أخيه، وفي كل مرة كان يقول: عزوزي جُنّي ما شاء الله عليه! إذا غضب تناول أقرب ” فنجال” وقذف به نحو الحائط فيغدو فتاتا، كان لهذا القروي ستة من الأطفال، أعجبهم ما أعجب أباهم، فكانوا يحطمون في كل يوم درزنا من فناجيل الشاي.
محمد ربيع الغامدي
كلام جميل جدا استاذي محمد..
هذا الواقع ….
لافض فوك..
شكر جزيلا أستاذ محمد الضويان .