قد يتطلب من أي انسان؛ ليحس بجماليات المكان جهدًا ذهنيًّا وإدراكًا عميقًا فلايصل إلى روعة جمال المكان إلا عندما يتأمل فيه مليًّا. عندها ترتقي النفس إلى مرحلة الإحساس بجمال ذلك المكان، أما في مكة فيكون للإنسان خصوصًا المسلمين بعدًا آخر؛ حيث يرتبط بعلاقة روحية. ومن هنا تصبح مكة ليس كغيرها من الوجود؛ فتزداد العلاقة مع تلك الأمكنة بحميمية، وينتفي فيها رصد الواقع ببعده الجغرافي كونها أرض قفر، فالبيت الحرام بمكانة مثابة للناس وأمن فالأنفس تُحلق بروحانية وبصور موحية وبكل طمأنينة وهدوء ففي مكة آيات بيّنات . وهكذا غدت مكة محضن الهدوء والسكينة، الأمر الذي يعطي شعورًا نفسيًّا هادئًا يمنح الإنسان زخمًا وافرًا من الألفة والمحبة والشوق إلى المكان، فلا يشعر بالوحشة أو الغربة، بل إنه كلما ابتعد زاد شوقه بلهفة، ومن وجدان ينبض بالحب على مبدأ واجعل أفئدة من الناس تأوي إليه. إن المكان عندما يكون متعلقًا بتعبد الله، فسرعان ماتنتقل في الأنفس بعلاقة إيجابية باعثة بالغبطة والسرور، وتتضمن حالة من الروحانية الناتجة عن قداسة المكان، فشعور الإنسان وحالته النفسية تزداد هدوءًا وطمأنينة كلما درج في تلك الأمكنة. ولتلك الأماكن لاشك تأثير في تحصين الإنسان، وخصوصًا على الجهاز العصبي فتتحول العلاقة مع الآخرين إلى إيجابية يغلب عليها المشاعر الطيبة وسيادة التفاؤل.
لهذا أدعو مركز ابحاث الحرمين إلى إجراء دراسة مستفيضة وجادة في صفوف المجتمع المكاوي بهذا الخصوص، وتتعمق الدراسة في جوانبها المختلفة من خلال متخصصين في المجالات النفسية والاجتماعية؛ كي تصل الدراسة إلى مبتغاها على أن تتوسع باتجاه أفقي داخل رواق حد الحرم وخارجه، وتقارن في ذلك بعينات عشوائية وبأعمار متفاوتة بين الجنسين. عندها سنعرف لماذا ارتقى الناس في تلك الأمكنة إلى مستوى القيم؟ وكيف ازداد انتمائهم لبني البشر مع مسالمة وافرة بين الأطراف وبمعنويات عالية لمحبة الآخر؟ وكيف ازدادت حصانة الإنسان عند أخيه؛ لتصل حد كلكم لادم ويقف الجميع على قدم المساواة على قاعدة ولقد كرمنا بني آدم.
أخيرا تظل مكة مشروع حياة في علاقة حميمية تبادلية مع الناس، تبتعد عن كل توتر واضطراب وببركاتها تجاوز وادي غير ذي زرع إلى غذاء روحي تنعم فيه النفس وتطيب، فنعم المكان أنتي ياأم القرى.
عوضة الدوسي
سلمت اناملك ابو عبد الملك كلام في غاية الروعه
ﻻ حرم الله أهل أم القرى من مثل هذه اﻷقﻻم التي ﻻ تمر على هذا الجانب -اﻷكثر تأثيرا في نفوس كل من نزل مهبط الوحي وسكن فيها أو حتى مر عليها- ﻻ تمر إﻻ نادرا
لقد كتبوا عن الجانب الديني والتاريخي والجغرافي والعشوائي والتطويري وعن مواسم الحج والججيح وما إلى ذلك لكن عن هذا الجانب وبهذا العمق لم يكتب من قبل
وفقه الله لإعطائه المزيد عن أسرار مكة المختلفة
من نبلك اخي عبدالعزيز