المقالات

عادات مكية في عيد الفطر

 هل يصح أن ننوح على “جمال” العيد في سابق الأيام ؟ اختلف رتم الحياة في مجتمعاتنا تبعًا للتطور التقني والتوسع الجغرافي. صحيح أنه لا يمكن استساغة كل المتغيرات وقبولها لكن الدنيا في تطور وتغير.

ما ينبغي بل يجب، أن يسعى الحكماء والعقلاء في كل مجتمع لتجديد صلة أهل مجتمعهم بالعادات المباركة الحسنة التي درج عليها السابقون، مع أهمية تجديد طرقها – إن احتاجت – لتتوافق مع الزمان وسرعته . بعد هذه المقدمة، أعود لعنوان المقال متذكرًا عادات درج عليها المكيون في عيدهم وأدركت بعضًا منها في صغيري قبل اندثارها. ونبدأ من ليلة العيد، إذ ما إن يقال إن غدًا العيد إلا وتبدأ المباركات والتهنئات ويضج الناس بالفرح والتكبير. وتستعد البيوت لاستقبال المعيدين ولصلاة العيد. ومما امتاز به المكيون تنافسهم وتسابقهم لحضور صلاة المشهد في البيت الحرام. فتجد العوائل متجهة للحرم الحرام لا يكاد يخلف أحد من كبير أو صغير. يكبرون ويفرحون وينبعث التكبير من جنبات المسجد الحرام عذبًا جميلًا جليلًا بأصوات متميزة أصبحت جزءًا من خصوصيات المكان. فإذا انقضت الصلاة توجهت كل عائلة لبيت كبيرها أو أحد أفرادها لتناول الإفطار.

وهنا تجد ما لذ وطاب مما اشتهر بالعيد كالدبيازة والزلابية واللقيمات والمنزلة وقائمة يسيل اللعاب من تذكرها فضلًا عن رؤيتها. بعد الإفطار يحلو الحديث فالعيد عيد وفرح وعندها تبدأ العيديات المنتظرة وهي إحدى أهم محطات العيد ومظاهر بهجته. في المساء يتجدد اللقاءات وتبدأ الزيارات بين العوائل والأرحام والأصحاب، صلة وتجديدًا للوصل. في تالي الأيام تستمر الزيارات حتى المساء ثم يجتمع الناس إما اجتماعا عائليا أو لأهل الحي أو الأصدقاء ويستمر السمر والفرح و يحضر المزمار كرمز للفرح الرجولي المستمد من السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلاة و السلام. أيضا من العادات التي أدركتها وكادت أن تختفي زيارة الموتى من الأقارب والمعارف يوم العيد إيناسًا لهم واستئناسًا بهم. حتى كُنتَ ترى في المعلاة جُل الأسر، كلٌ يزور أهله ومعارفه.

ومما أتذكره عادة اختفت تمامًا بسبب التقنية الحديثة مع جمالها وأملي في أن تعود، وهي عادة بقاء أحد أفراد العائلة منتظرًا العديد من المهنئين بالعيد بينما يكون أهل البيت في معايدة الآخرين، فيستقبل القادمين ويضيفهم وعند خروجهم يقدم لهم دفتر المعايدات ليكتبوا معايدتهم مشفوعة بعبارة “حضرنا و لم نجدكم”؛ ليقوم أهل البيت برد الزيارة بمثلها . هذه بعض مظاهر العيد مما ألِفته واستمر أو اختفى، أملي أن يعود للعيد رونقه و بهجته. وأن تُعاد للعادات الجميلة قيمتها ومكانتها. و لعل منّا من يستحدث عادات توافق زماننا وتكون سببًا في جمع القلوب قبل الأجساد، فوسائل التواصل الحديثة أبعدتنا بقدر ما قربتنا . جعل الله عيدكم سعيدًا، وتقبل مني ومنكم صالح الأعمال، وأعاد علينا رمضان أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة في خير ولطف وعافية، وحفظ الله البلاد والعباد من كل شر وبلاء وفتنة. كل عام و أنتم أحبتي بخير..

صادق رضا السنوسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى