المقالات

البيئة العمرانية والرؤية المستقبلية ٢٠٣٠

عند النظر إلى أحد مدن الحضارة الإسلامية، التي كانت ولا تزال تحفة معمارية، أو المدن الكبرى الحالية في الشرق أو الغرب، نتساءل مالذي دفعهم إلى أن يكون تصميم شوارعها ومنازلها وحدائقها بهذا الشكل والمواصفات؟ مالذي دفعهم إلى تحسين المرافق العامة ووسائل النقل، وتسهيل الوصول إليها بكل أنواعها سواءً التقليدية أو الحديثة بهذا الشكل الجميل؟ وعلى سبيل المثال، تجد شخصًا مقعدًا كبيرًا في السن، أو امرأة حامل في الشهور الأخيرة، تستطيع أن تذهب إلى وجهتها وتعود لمنزلها بكل سهولة، ودون أدنى مساعدة من أحد، وتجد سيارة الطوارئ تصل إلى وجهتها بأسرع وقت لتقوم بواجبها، من إنقاذ مريض أو تلبية نداء مستغيث أو إطفاء حريق لا قدر الله، بالتأكيد هنالك أسباب كبيرة وأبعاد عظيمة، ليست جمالية فقط ولكن قد تكون اقتصادية واجتماعية ونفسية أيضًا، تلك التي تؤثر على عادات وسلوك سكانها بالإيجاب أو غير ذلك، ومن المتعارف عليه بأن الإنسان يتأثر بما حوله في تشكيل فِكْره وبناء شخصيته، وذلك لأننا جزء لا يتجزء من العالم الذي حولنا، فنحن عبارة عن كتلة من الأفكار والقناعات، التي بدورها تولّد مشاعرنا وتفاعلاتنا الداخلية والخارجية ولا نستطع أن ننعزل عن ما حولنا، بإعتبار إن العلاقة قوية بين الإنسان والبيئة المحيطة به، سواءً كانت هذه البيئة هي الشكل العام للمدينة أو الفراغ الذي يحيط بنا، أو حتى تفاصيل الشارع الذي نسلكه يومياً، كتصميم الرصيف والمساحة الخضراء، مع وجود مواقف سيارات مناسبة أم لا ؟ وهنا لا أقصد الشكل الجمالي فحسب، مع أن الجمال عنصر أساسي في هذه المعادلة، بل أعني المواصفات الهندسية لهذه العناصر المحيطة بِنَا وكيفية تفاعلنا معها، وأتسائل لماذا لا نقوم بدراسة تأثير التصميمات الهندسية على مستخدميها قبل اعتمادها؟ لفهم أثر الضغوط الواقعة عليهم من جراء تعرضهم للضوضاء والزحام ومن ثم على صحتهم العقلية والنفسية، ومقدار كفاءتهم الإنتاجية، ويكون ذلك على المقياس الصغير كأماكن العمل وعلى المقياس الكبير كتخطيط المدن، إن تسخير البيئة لتلبي احتياجات الناس النفسية يعود بالنفع على محاور عدة، ومنها الحالة الصحية للفرد، وهذا ما أود التطرق اليه في هذا المقال، بما يدعونا التفكير الجدي في علم النفس البيئي، في ظل النهضة العمرانية المباركة التي يشهدها الوطن، وفي ظل رؤية المملكة ٢٠٣٠ والتي أحد أهم أهدافها الاجتماعية هو رفع الوعي الصحي عند الفرد، بممارسة الرياضة والحركة البدنية، لتقنين الإنفاق على قطاع الصحة، المتمثل في علاج العديد من الأمراض والحالات التي تصرف عليها الدولة – أعزها الله- المليارات سنويا، إذ إن أفضل علاج لها هو الوقاية منها وممارسة الرياضة، مثل داء السكري وأمراض القلب وأمراض الجهاز الهضمي وغيرها، أعاذنا الله وإياكم. ومن الحلول ابتكار تخطيط عمراني متوافق مع المواصفات والمعايير المعمارية العصرية، المتواجدة فعلاً في بعض المدن السعودية والعالمية، للتغلب على التحديات المناخية وبناء نظام بيئي ومعماري متكامل، يكون له الأثر في تحفيز الناس على المشي والحركة، لإنجاز بعض أمورهم اليومية، مثل مدن (الهيئة الملكية بالجبيل وينبع)، ولو بنسبة بسيطة وجعل ممارسة الرياضة والحركة البدنية “أسُلوب حياة ” اختياري ولكل المراحل العمرية، ومن وجهة نظري المتواضعة المبنية على تجربة شخصية، ذلك سيكون حتماً أفضل من الوقت الذي يقضيه الشخص في النادي الرياضي أو في ممشى الحي، يذهب له مره وينسى أو يتكاسل المرة التالية، ومن الممكن أن نكون حققنا ما نهدف إليه برفع نسبة ممارسة الرياضية من ١٣٪ إلى ٤٠ ٪ بحلول ٢٠٣٠، والجدير بالذكر إنه يجب علينا جميعاً كآباء وأمهات ومعلمين بالإضافة إلى ذوي الخبرة المعمارية المشاركة والعمل على تحفيز أبنائنا وبناتنا، وختاماً قد لا أكون متخصصًا في هذا المجال، ولكن أحببت أن أشارككم ما يدور في خاطري نتاج ما اطلعت عليه لدراستي في الفترة الماضية.

م. عامر عبدالفتاح حسنين

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى