تمر المجتمعات العربية بتحولات مهمة خصوصًا بعد ثورات الربيع العربي ولم تنقذها حالات التنوير الثقافي الخالية من معطيات التنمية والبناء في تقليص الكوارث التى مرت بها تلك الدول، فلو نظرنا إلى النموذج البريطاني مثلًا كان أسرع في تقبل التغيرات التى حدثت على أرضه ولم تُعاند الملكية في توسيع المجال للمشاركات، وفتح باب الحريات للمجتمع بخلاف الملكية الفرنسية التي أسهمت في نشوء الثورة وانتكاساتها المريعة. هذان نموذجان غربيان يظهر منهما أن مرونة السياسي وعقل المثقف كفيلان بنهضة تقدمية تُحافظ على مكتسبات المجتمع وتنميته فليس خافيًّا على أحد أن قضية التنوير قد أسالت الكثير من الحبر في الفكرين العربي والغربي على حد سواء، ففي الغرب حسمت أمورها ووصلت إلى مقاصدها منذ زمن بعيد، ولكنها في الفكر العربي مازالت تُعانى التعثر والانسداد التاريخي، فعلى الرغم من اشتغال عدد من النخب في مجتمعاتنا العربية بالتنوير الفكري باعتبار أننا نمر في ظلام يمنعنا من رؤية التقدم والنهضة مع استمرار هذا الجهد لعدة عقود مازالت مشروعات التنوير بكرًا لم تنضج في كتابات المثقفين العرب وما قدمه الجيل الأول في باكورة عصر الحداثة كالطهطاوي، ومحمد عبده ، والأفغاني، والكواكبي، لم يكمله من أتى بعدهم، فالمشروعات التي كانت تُولد في رحم التنوير تُصاب بعد خروجها إلى الساحة بردود وتصدم مع المشروعات المضادة فتتقزم في دوائر النزاعات الفكرية الضيقة والصاخبة واللافت للنظر والمؤسف أيضًا في آن واحد أن كتابات التنوير المعاصر في المنطقة العربية تمحورت حول موضوع الدين والتراث؛ وكأنه سبب ظلامات أحوالنا الراهنة ولو تركز النقد والتنوير فى الممارسات العربية الجانحة والمتطرفة لكان أحرى بالقبول العام لدى جميع التيارات، لكن الكثيرين اقتصروا على النص وتاريخه وزلات فهم الفقهاء ومرجعية التراث بينما تتمحور مشكلات الإنسان القائمة حول ضعف التنمية وفقدان الهوية وتخلف البحث العلمي والبطالة وتدهور التعليم، لكنها لم تشغل إلا القليل برغم وجود القدرة عند الكثيرين من مفكرينا على تناول هذه القضايا الملحة في حياة الفرد والجماعة إذا التقدم الإنساني في التاريخ يأتي على شكل فرص ولحظات باهرة قد لاتتكرر وكتلة الدفع الحرجة لهذه اللحظة التاريخية هي كنز الوطن وجوهره الصامت إذا الإنسان هو محور التقدم الحضاري المُستدام وهذه قاعدة ربانية؛ لأن التغير الحقيقي يبدأ وينتهي وينتهي بالأنفس كما قال الله تعالى (إنَّ اللهَ لا يغيّرُ ما بقومٍ حتى يُغيروا ما بأنفسِهِم) فالإنسان اليوم يجب أن يكون جوهر الرؤى التقدمية وروحها النابضة ومالم تراعِ حاجاته الروحية والفكرية والفطرية؛ فإن حاجاته المادية والاقتصادية ستجعله مسمارًا في آلة يبقى ببقائها وينتهى بانتهائها؛ وكي نخطو كل ذلك بعلامات ناجحة لامفر من التعليم فهو دائمًا على رأس أولويات التغير؛ حيث النهضة الحقيقية لأى حضارة تبدأ من المدرسة والجامعة؛ لأن التعليم هو أقوى مكونًا للتغير والإعداد في شكل مكثف وممنهج يختصر الكثير من الوقت والجهد والمال الذي تتطلبه مشاريع النهضة التى تتوخاها الحكومات فى أى بلد من بلدان العالم.
أميمة العشماوي