سكن الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة فحكمها بحكم الله عشر سنين، ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى. ثم توالت الخلافة الراشدة والمدينة مستقرة، والأمن فيها مستتب، وليس فيها ما يدعو إلى حمايتها أو تحصينها منه. واستمر الحال على ذلك والناس ينعمون بالأمن والأمان، والطمأنينة والاستقرار. ثم بدأ ظهور الجور، وانعدام الأمن جراء تغير الأوضاع وغارات الأعراب من هنا وهناك. فأصبح الوضع بالمدينة المنورة من الخطورة بمكان أن استوجب معها إيجاد موانع من حدوث تلك الغارات عليها ومن مهاجمة ودخول الغزاة إليها، فقام الأمير: إسحاق بن محمد بن يوسف بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن على الزينبى بن عبد الله الجواد ابن جعفرالطيار بن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم الجعفرى الطالبى الهاشمى -رحمة الله عليه- سورًا على المدينة المنورة، وكان واليًّا عليها سنة (266) للهجرة الشريفة من قبل أمير المؤمنين أحمد بن المتوكل -رحمه الله-. فببنائه هذا السور الحصين أمن الناس من هذه الشرور، ومن تلك القلاقل، وأصبحت المدينة في أمان من النهب والسلب. فكان هو أول من أوجد هذا السور حول المدينة الشريفة . . وقد أخطأ كثير من المؤرخين فى تسمية بانى السور ونسبه، فلم يعلموا أصلًا أنه كان أميرًا للمدينة المنورة، ولكن قالوا: “إن بانى السور إسحق بن محمد الجعدى”. والصواب : أنه : الجعفرى من آل جعفر الطيار بن أبى طالب الهاشمى. ومصدر هذا الخطأ فيما أراه : هو العلامة محمد الحميرى صاحب تاريخ ( الروض المعطار فى خبر الأقطار) رحمه الله المتوفى سنة 727 من الهجرة، الذى نسب بانى السور: إلى الجعد، فتبعه المؤرخون من بعده ممن نقلوا عنه دون تمييز ولا تصحيح. ومنهم الإمام السيد نور الدين السمهودى رحمة الله عليه فى تواريخه. وتابعه على ذلك المؤرخون الذين كتبوا عن المدينة المنورة من بعده عامة، وعن تاريخ سورها خاصة. وآخرهم السيد أحمد ياسين الخيارى فى تاريخه معالم المدينة قديمًا وحديثًا، وكذلك الشيخ عبد القدوس الأنصاري في كتابه آثار المدينة، واللواء إبراهيم رفعت باشا فى كتابه مرآة الحرمين وغيرهم كثيرون. ولا يلام أمثال هؤلاء فى ذلك، ما دام الخبر نقله إمام تاريخ المدينة المنورة كالإمام السمهودي ومن في مرتبته. ولعل هذا الخطأ أطلقه العلامة الحميري في الروض المعطار سهوًا، أو وقع عليه سهوًا أو تصحيفًا من بعض النساخ، فكتب الجعدي بدلًا من الجعفري .
ضياء محمد عطار