بحثت كثيرًا لتصحيح خطأ العلّامة الحميري في الروض المعطار في مراجع مهمة في هذا الشأن حتى توصلت إلى بطلان نسبته إلى جعد مجهول، وعلمت أن الصواب في نسبته: أنه الجعفري، حيث ذكر النسابة شهاب الدين السيد أحمد الداودي الحسني المعروف بابن عنبة في كتابه: عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب وهو أعرف الناس به وبنسبه، وبعمله الذي أنجزه فى ولايته، إذ قال بعد أن ساق نسبه الذى ذكرناه آنفًا: إسحق بن محمد بن يوسف أمير المدينة، وهو الذي بنى سورها (يعني المدينة الشريفة ) ووقعت بينه وبين بني علي ( يعني علي بن أبي طالب) الفتنة العظيمة وله بقية بوادي القرى انتهى. غير أنه لم يذكر تاريخ ولايته للمدينة، ولا ذكر تاريخ بنائه لسور المدينة الشريفة. ولكن الإمام أبا جعفر بن جرير الطبري ذكر في تاريخه: نسبه واسمه أنه: إسحق بن محمد الجعفري، وأن ولايته للمدينة كانت في خلافة أميرالمؤمنين أحمد المعتمد في سنة ست وستين ومائتين، وأشار إلى أنه كان على ولاية المدينة في هذه السنة، ثم ذكر تفاصيل قصة الفتنة التى نوه عنها السيد أحمد الداوي بن عنبة، وذكر أنها وقعت في تلك السنة بين آل علي بن أبي طالب وآل جعفر بن أبي طالب -رضي الله عنهما- بالمدينة الشريفة، فقال: وكان سبب ذلك، أن القيم بأمر المدينة ووادي القرى (العلا) ونواحيها كان في هذه السنة: إسحاق بن محمد بن يوسف الجعفري، فولى وادي القرى عاملًا من قبله، فوثب أهل وادي القرى على عامل إسحاق بن محمد فقتلوه، وقتلوا أخوين لإسحاق، فخرج إسحاق إلى وادي القرى فمرض به ومات، فقام بأمر المدينة أخوه موسى بن محمد (الجعفري) فخرج عليه الحسن بن موسى بن جعفر (الحسيني) فأرضاه بثمانمائة دينار، ثم خرج عليه أبو القاسم أحمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد ابن عم الحسن بن زيد (الحسنى) صاحب طبرستان، فقتل موسى وغلب على المدينة فضبط المدينة، وقد كان غلا بها السعر، فوجه إلى الجار، وضمن للتجار أموالهم، ورفع الجباية، فرخص السعر وسكنت المدينة، فولى السلطان (يعني الخليفة) الحسني (يعنى أحمد بن إسماعيل الحسني) المدينة إلى أن قدمها ابن أبي الساج على وادى الصفراء انتهى.
من هنا استفدنا : من السيد أحمد الداودي بن عنبة بناءه لسور المدينة وولايته لها، ومن الإمام أبى جعفر بن جرير الطبري تاريخ ولايته للمدينة سنة (266) فيكون إنشاؤه لسور المدينة خلال ولايته هذه فى هذه الفترة. وكثير من المؤرخين قالوا عن تاريخ نشأة سور المدينة المطهرة أنها كانت بعد سنة الستين والثلاثمائة من الهجرة الشريفة وهو خطأ. وذكروا أنه بناه عضد الدولة بن بويه في خلافة أمير المؤمنين الطائع لله. وهذا ما قاله الإمام مجد الدين الفيروزآبادى فى تاريخه: المغانم المطابة فى معالم طابة. ودرج عليه الكثيرون من المؤرخين وهو تاريخ غير دقيق لما سبق ذكره. وأما الذين قالوا: إن السور بناه إسحق بن محمد الجعدي، فقالوا فى تاريخ بنائه إنه كان فى سنة ثلاث وستين ومائتين من الهجرة وهو أيضًا خطأ، لأن ولاية الأمير إسحق بن محمد الجعفري للمدينة كانت فى سنة ست وستين ومائتين من الهجرة طبقًا لما ذكرها الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري في تاريخه .
ضياء محمد عطار