المقالات

بين كائنين تقنيّين !

يختلف فضاء التلقي في الفيس عنه في تويتر .

في فضاء تويتر ترقّب و حذر و رصد ؛فالكائن التويتري يعيش هاجس ما يسمّى بتطيير الجبهة منتجا و متلقّيا ، و في ظني أن للشيخ عادل الكلباني أثرا في إشاعة هذه الثقافة في الشأن المحلي ، ساعد على ذلك الدعم اللوجستي للواتس إذ يقوم بنشر مثل هذه الردود ذات الصبغة الكلبانية عبر تطبيقه سريع الانتشار فأوجد ذلك عند التويتريين سعارا و رغبة في تطيير كل جبهة قابلة للقصف ! في حين أن هذا الهاجس غير موجود في فضاء الفيس ، و بإمكان من يريد التحقق من ذلك كتابة تغريدة قابلة للاختراق بوضع ثغرات لغوية ذات تأويلات متعددة ثم إجراء اختبار عيّنة على الفضاءين و تحليل الردود. قطعا سيجد فرقا في التلقّي و التأويل ، و لا يخرم هذه القاعدة تكرار الأسماء هنا و هناك ، إذ بمجرّد ما ينتقل الكاتب إلى الفيس من التويتر يتغيّر لديه جهاز التلقّي و يتبرمج على فضائه الشعبي الحميم ،و قد شاهدت بعض أصدقاء الفيسبوك هناك في تويتر فلمحت على وجوهم غربة تقنية لا تخفى على حصيف و شعرت أنهم غرباء في ذلك العالم المعلّق في الفضاء الافتراضي كسقالة معلّقة في ناطحة سحاب ، يصعدون و يهبطون بين التغريدات و الرتويتات ، فإذا أبصرتهم في الفيسبوك بدوا و كأنما نشطوا من عقال . و مما تمكن مقاربته في هذا السياق ما ينتج عن الملاحظة السابقة و هي أن عالم تويتر المترصّد و هيكله الرأسي الممتد كعمارة في الأفق يغلّب جانب الخوف من انزلاق القلم من على السقالة المذكورة فيهوي صاحبه أو يتمّ صلبه في هاشتاق امام الملأ التويتري المتوحّش في سخريته . في حين أن الأمر مختلف في الفيسبوك ذي الامتداد الأفقي المبني على المجاورة و العلاقات الأفقية لا الرأسية الطبقية كما في تويتر ، فالكائن الفيسي ساخر برىء ، و يملك حاسّة اجتماعية في التلقي ، ما يجعل كل ذلك محلّ طمأنينة و أبعد عن السقوط من أعلى ، و غاية ما في الأمر إغلاق النوافذ و وضع أسلاك الحظر الشائكة بين الجدران ، و هذا ناتج عن أن بنية الفيسبوك الأفقية فرضت عالما لا يتجاوز الطابقين أو الثلاثة أو الخمسة على أكثر الأحوال ، على العكس من تويتر الذي يحوي عالمه الطبقي كل أشكال البناء المعماري من البيت ذي الطابق الواحد إلى ناطحات السحاب الشاهقة . و أخيرا يبدو لي أنّ عالم تويتر الراصد قد صنع شروط التلقي و التأويل بناء على ما سبق ذكره من سمات خاصة به ، و كذلك الأمر بالنسبة للفيسبوك الذي صنع شروطه وفقا لبنيته الأفقية الاجتماعية خلافا لبنية تويتر الرأسية السياسية ، و هذا ،في ظني ، جوهر الفرق ،في هذه المقاربة التقنية من جهة التلقّي و التأويل .

سعود الصاعدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى