المقالات

همسات الخميس

  منذ أكثر من ثلاثين عاما وقع في يدي كتاب هؤلاء علموني لسلامه موسى، الذي وصل إلى المكتبات السعودية في طبعته الثانية ضمن سلسلة اقرأ الصادرة في مصر عن دار المعارف، تلك الدار التي لن ينسى العرب فضلها، كان الكتاب صغيرا في حجمه الذي لم يتجاوز حجم الكف، وافيا في عدد الصفحات التي قاربت المائتين وخمسين، مهيبا بحمولته من قراءات عميقة تناول فيها المؤلف عشرين علما كانت لكل منهم بصمته الخالدة في مسيرة التاريخ.

        فولتير، جيته، داروين، فيسمان، إبسن، نتشه، رينان، دستوفسكي، ثورو، تولستوي، فرويد، إليوت سميث، هافلوك إليس، جوركي، شو، غاندي، ويلز، شفايتزر، ديوي، وسارتر، دائرة تحيط بك من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أمامك ومن أقصى اليسار إلى أقصى اليمين خلفك، دون أن ترغم بوصلتك على التنسك في أي من تلك المحاريب العشرين، بل قد وضع المؤلف شرطه الذي استعاره من جيته وأرفقه بعنوان الكتاب: كن رجلا ولا تتبع خطواتي!

        باتت تلك النوعية من المؤلفات أثيرة عندي، أتابع ما تيسر منها، لأنها تقدم لي تجارب الآخرين كأني أراها، ولأن من يؤلفها قد تحققت فيه شروط خاصة لا تتحقق في غيره من المؤلفين، وهكذا جاء كتاب وجوه وزوايا ايضا ضمن تلك النوعية التي أحبها، مؤلفه هو أحمد الدويحي الذي عرفناه ساردا، وهو فوق ذلك صحافي عمل في الصحافة الثقافية، وعضا في وفود ثقافية كثيرة وقارئ جوّاب كتب، يتدفق في استذكار ما قرأ وما رأى وما سمع، ثم هو قبل ذلك كله قد عاش تجربته الحياتية بامتياز خاص.

        كتب الدويحي عن عبد الرحمن منيف، وعن عبد الكريم الجهيمان، وعن محمد الثبيتي وعبد العزيز الصقعبي وعبد الله باهيثم ومحمد علوان وعبد الكريم الخطيب ومحمد نور وليلى الجهني وغرم الله الصقاعي ومحمد العصار، وعبد العزيز المشري، وعبد الكريم العودة، وحسن النعمى، كتب عنهم الدويحي متنقلا بين ذكرياته الشخصية وبين قراءاته في وجوههم وزواياهم، وبين تقاطعاته السردية مع منجزاتهم السردية، فجاء الكتاب متعة من المتع المدونة في كتاب، وفعل فعل سلامة موسى في تقديم عدد من أقطاب الثقافة السعودية المعاصرة وكأنك تراهم.

        بقي كتاب وجوه وزوايا على سطح مكتبي وسوف يطول بقاؤه لسببين، أولها أن كل وجه من تلك الوجوه قد رأيته، وكل زاوية من تلك الزوايا قد مررت بها، ولكن شتان بين رؤيتي ومروري وبين رؤية الدويحي المؤلف ومروره، كنت أنا أرى وأمرّ على عجل، بحاسة أو حاستين، وكان الدويحي معهم بحواسه الخمس وثقافته ورسالته، وثانيها أن كتاب الدويحي هذا قد أعادني إلى كتاب جميل عرفته في زمن جميل هو كتاب سلامه موسى سالف الذكر، الذي أراه كتاب وجوه وزاويا مثل كتاب الدويحي مثلما أرى في كتاب الدويحي أعلاما علموني أيضا.

محمد ربيع الغامدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى