من أيام تابعت وبكل شغفٍ اللقاء المُتلفز الذي بثّته القناة السعودية مع الدكتور عيد اليحيى عبر برنامج(عين ثالثة)؛ حيث كان اللقاء حول البرنامج المعروف (على خطى العرب) فمن خلال اللقاء عرج اليحيى على نقاط مهمة جدًا أثار من خلالها أهمية الجزيرة العربية بما تعاقبت عليها من حضارات باعتبارها مهد كل الحضارات.
إن الحضارات المتعاقبة على أرض الجزيرة العربية لم تتجلَ إلا من خلال الأمكنة المختلفة على اعتبار أن للمكان أهمية كبرى بعد الإنسان في ظهور الحضارات ولاشك أن الصحراء جزء من ذلك، الأمر الذي يكشف بجلاء عبث المستشرقين في إدراج بعض المصطلحات؛ حيث أشار اليحيى إلى أن تسمية الربع الخالي بهذا الاسم هي تسمية أجنبية وهي بالفعل كذلك فالتسمية على هذا النحو تُفسر واقعًا لاحياة فيه بل حتى ترسم صوره ذهنية ذات دلالة سلبية، وتغذي العقول بتصور غالط على اعتبار أن الصحراء جرداء من كل شيء موحشة باعثة للغربة ولايمكن للإنسان أن يتألف ويتكيف معها، ويستشعر من خلال ذلك تجرد المكان من كل شيء محسوس وملموس؛ فضلًا عما يعتري البعض من اليأس كاستجابة طبيعية تدفع إلى الانكفاء للولوج في هذا العالم(عالم الصحراء).
إن الصحراء على افتقارها كأرض. قفر عفراء إلا أنها تزيد من وهج المشاعر والأحاسيس وهي مولدة للمعرفة إلى جانب أنها تزيد من حس المسؤولية والالتزام تجاه واقع يجعلك تتبادل معه وتتفاعل، فكل إطلالة يوم جديد يتطلب من إنسانها جهد ومهارة ليكتشف كل أطوار الحياة ومتغيراتها. عندها تتجلى عزيمة الإنسان التي لا تفتر.
والصحراء لاشك ملهمة للشعراء، الأمر الذي دفع أهل الحاضرة إليها؛ ليأخذوا ديوان العرب من شفاه البدو الرُحل متوجًا بالحكم والأمثال. ومن صحراء الجزيرة العربية استخلص الشاعر محمد الثبيتي لغته الشعرية بعد أن هَام في مفازاتها كعاشق للبيد. فينفتح على جوهر الصحراء وفضائها الفسيح ليستحق بجدارة لقب (سيد البيد) ومع بعد المسافة ومشقة التيه يصل للغاية والهدف عندما يقول:
ما أبعد الماء
ما أبعد الماء
لا
فالذي عتقته رمال الجزيرة
واستودعته بكارتها يرد الماء
في المقابل يرفض الروائي الليبي إبراهيم الكوني “النظرة التقليدية للصحراء بوصفها كفراغ وخلاء ويتساءل كيف يحدث هذا في وطن النبوءة؟ ويقول: “إن الصحراء هي بداية فطرة الإنسان وبداية مغامراته مع اللغة، ويضيف أن لا شيء يساوي الصحراء سوى البحر فالصحراء”. بحر من الرمال والبحر صحراء من ماء. كلاهما يعدان بشيء واحد هو الحرية”. فكما هي منحتنا الحرية علينا أن نمنح أنفسنا مزيدًا من التأمل الواعي والعميق لنرى جمالها وبكل أبعاده.
أخيرًا:
الأمنيات كبيرة على أن يتحول برنامج (على خطى العرب) إلى مشروع وطني لإحداث نقلة نوعية في مسيرته؛ لتسارع من الخطى نحو تطلعات وطموحات وطنية واعدة، على أن يشمل أبعادًا مختلفة وجغرافيا متنوعة. فهل يتحقق ذلك؟!
عوضة بن علي الدوسي
ماجستير في الأدب والنقد