المربي الفاضل الذي أوشك أن أقول عنه أن الله قد خلقه معلما مربّيا، هو هبة قلوة للتربية والتعليم الأستاذ علي الهيمطي، وقلوة لمن لا يعرفها محافظة من محافظات منطقة الباحة في ديار زهران يحتضن بعض قراها جبل رَبَا فيبدو وكأنه والد يحنو على ما ولد، وهي على مقربة من الخليف التي كانت على شأن كبير من العلم والفقه والرئاسة.
كنت في الصف الرابع بابتدائية اليمانية الأميرية بالطائف عام 1384 عندما جاءنا هذا المربي الفاضل متدربا في آخر سنوات دراسته بمعهد المعلمين، ثم تخرج في ذلك المعهد وشاء الله أن يجعل تعيينه مدرسا رسميا في المدرسة ذاتها، وفي الفترتين كان الهيمطي هو المعلم الفذ المستنير، السمح البشوش المتمكن المخلص الدؤوب.
درسنا عليه يديه قواعد اللغة العربية والإملاء والتعبير والقراءة والمحفوظات الشعرية، ومعه فقط كانت حصة التعبير حصة أساسية لا يضيعها ولا يشغلها بمادة غيرها، بل ويجتهد في اختيار مواضيعها بعناية نادرة المثال، وقبله كانت مادة التعبير جانبية يستغلها معلموها في استدراك ما فاتهم من دروس القواعد والمحفوظات.
من تلك المواضيع موضوع كان عنوانه: القَنَصُ في يوم مطير! لا إله الا الله يا هذا الهيمطي كيف أحييت فينا ملكة التخييل وكانت قبلك يبابا؟ كيف لطالب في الصف الخامس في مدينة لا تعرف القنص أن يكتب عن القنص، وفي يوم مطير ؟! لكنه المعلم الفذ يعرف كيف يأخذك إلى عوالم غير منظورة لتغدو تحت قلمك عوالم حية تضج بالحياة.
شرح لنا القنص بإسهاب، تعريفا وتوصيفا، ما كان منه للرياضة وما كان للترويح وما كان لسدّ الحاجة، عند الخلفاء والأمراء، وعند عشاق الطبيعة والباحثين في أكنافها عن شيء، وضرب الأمثلة فلما اهتزت المخيّلات وربت كتب العناصر المتسلسلة ثم قال: أما المطر فمتروك لكم، أعنتكم في تخيّل القنص فتخيلوا أنتم مطرا أثناء رحلة قنص.
بالأمس وجدت خبرا عنه، أصدر كتابا ضمّنه سيرته الخاصة، قرأت الخبر ثم تواصلت مع ابنه الأستاذ سعد الله، اتفقنا على حفظ نسختي من كتاب معلمي الحبيب، وعلى إهدائه المتوفر من إصداراتي، ثم عنّ لي أن أزين إهدائي لمقامه الكريم بأبيات من الشعر، فكيف يكون ذلك وما أنا بشاعر؟ اختطفني السرد منذ عقود حتى ذهب بعناصٍ من الشِّعر كانت باقية عندي.
أنجدني صديقي المهندس سعيد الرباعي، وهو واحد من شعراء قريتي الأربعة، هو والدكتور سعد بن حمدان، والأستاذ صالح بن جمعان الأبلجي، والأستاذ عمرو بن قحنون، فكتب لي أبياتا بعد أن عرّفته بالهيمطي معلما ومربيا وصاحب تجربة ثرية تمتد من كفاحه في التعليم الابتدائي حتى إدارته لأعلى المؤسسات التربوية في محافظه قلوة.
هذه أبيات ثلاثة منها:
عليٌ من له العلياء تعلو وللأمجاد فيه مُنىً ووصلُ
كتبتم ســـيرة بمداد نور فليست غير بالأنوار تجلو
أفي فمها لتلمــــيذ مكان كما في قلبه لكمُ محـــــلُّ
أما البقية فتأتي في بطاقة الإهداء، والسلام.