أصبح الرئيس الأمريكي باراك أوباما أول رئيس أمريكي يزور كوبا منذ عام 1928، والأهم من ذلك، انه أصبح أول رئيس تطأ قدماه كوبا منذ فرض الحصار على الجزيرة الاشتراكية في أوائل الستينيات من القرن الماضي. حقا إن زيارة باراك أوباما إلى هافانا حظيت بانتقادات على مستوى العالم، ولكن إسرائيل – رغم منظومة علاقاتها التي هي محل خلاف مع الجزيرة التي تقع في البحر الكاريبي – من المنتظر أن تتقرب إلى كوبا في أعقاب الولايات المتحدة .
فعلى ضوء التقارب الشديد بين إسرائيل والولايات المتحدة، أثارت زيارة أوباما تساؤلات وآمال في القدس. فمنذ عام 1973 لا توجد علاقات دبلوماسية كاملة بين إسرائيل وكوبا. وعلى مر السنين كانت هناك اتصالات هادئة بين البلدين في عدة مناسبات وتم الإبقاء على علاقات في مجال الأعمال ، ولكن لم تكن هناك علاقات حقيقية، بل وعملت الدولتان ضد بعضهما البعض بشكل بارز على الساحة الدولية. فهل الآن، بعد أن وصلت الخصومة الكوبية-الأمريكية إلى نهايتها، من الممكن أن تستأنف كوبا علاقاتها مع إسرائيل أيضا ؟
كانت بين كوبا وإسرائيل علاقات دبلوماسية طبيعية في الفترة بين 1949-1960، إلى أن قامت الثورة الاشتراكية وصعد فيدل كاسترو إلى سدة الحكم . حقا أن كوبا صوتت ضد قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة ، ولكن في عام 1949 اعترفت بشكل رسمي بإسرائيل بل ودعمت قبولها عضوا في الأمم المتحدة . وكان اعتلاء كاسترو للسلطة في أواخر الخمسينيات قد تسبب في فتور وتدهور العلاقات، وذلك عندما أصبحت كوبا بين عشية وضحاها حليفة للدول العربية . وعلى الرغم من الضغوط التي مارسها العرب على كاسترو، إلا انه لم يسارع بقطع علاقاته مع إسرائيل بشكل تام.
خلال عقد الستينيات استمرت السفارة الكوبية تعمل في إسرائيل، في حين واصلت إسرائيل مساعدتها لكوبا في مجالات مثل الزراعة والطب. وحدث التغيير الأهم في العلاقات بين البلدين في عام 1973، عندما أعلن كاسترو بشكل مفاجئ عن قطع تام لجميع العلاقات مع إسرائيل.
كان السبب وراء هذه الخطوة المفاجئة رغبة كاسترو في ذلك الوقت في أن يتم انتخابه أمينا عاما (لمؤتمر دول عدم الانحياز)، وهي مجموعة دولية تضم أكثر من مائة دولة في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية. وللفوز بالمنصب احتاج إلى دعم من الدول العربية، وبالتالي اتخذ هذه الخطوة الدراماتيكية. وقد سبقت هذه الخطوة انتقادات متصاعدة لإسرائيل في كوبا، وذلك بسبب الاحتلال الذي بدأ بعد حرب الأيام الستة .
في العقود التالية ، أصبحت كوبا برئاسة كاسترو واحدة من أكثر المنتقدين لإسرائيل على الساحة الدولية، ووطدت علاقاتها مع الفلسطينيين. ولكن بجانب الانتقادات والقطيعة العلنية، واصل رجال أعمال إسرائيليون العمل من تحت الطاولة في كوبا، وكان الكثير منها يتم بعلم ومباركة من كاسترو.
والى جانب النشاطات التجارية، كانت هناك أيضا حالات استثنائية من التعاون الزراعي والطبي والثقافي وبعضها كان بمشاركة وزارة الخارجية الإسرائيلية . كما حافظت إسرائيل على علاقاتها مع الجالية اليهودية الصغيرة في هافانا، التي وصل عددها في الماضي إلى أكثر من 20 ألف شخص، لكن لم يبق منهم اليوم أكثر من ألف شخص.
كما سمح للسياح الإسرائيليين بزيارة كوبا على مدى السنين بحرية نسبية، كما كان بإمكانهم الاستعانة بالسفارة الكندية في هافانا، التي مثلت المصالح الإسرائيلية رسميا لدى السلطات المحلية.
في عام 2001 جرت زيارة نادرة نسبيا لوفد من أعضاء الكنيست الإسرائيليين إلى هافانا.وقد دعي الوفد لأن هافانا استضافت في هذا العام مؤتمر(الاتحاد البرلماني الدولي)، وهي منظمة صغيرة نسبيا تجمع برلمانيين من جميع أنحاء العالم. والتقى أعضاء الوفد أيضا مع مسئولين حكوميين محليين.
في نفس وقت القطيعة الرسمية مع إسرائيل، أخذت حدة علاقات كوبا مع الولايات المتحدة تتصاعد. وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة في أوروبا .
ومنذ عام 1992، تصوت الأمم المتحدة سنويا على قرار يدين بشدة الحظر التجاري الأمريكي على كوبا. ويتم تمرير القرار كل سنة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع معارضة من الولايات المتحدة ودولتين أو ثلاث دول أخرى. وعلى مدى الـ 24 عاما الأخيرة ، كان البلد الوحيد الذي صوت على الدوام إلى جانب الولايات المتحدة في هذه المسألة هو إسرائيل. وقد جلب الدعم الإسرائيلي لفرض الحظر انتقادات لإسرائيل ليس فقط في كوبا نفسها ولكن أيضا في بلدان أخرى في أمريكا اللاتينية.
وأدركوا في إسرائيل جيدا الثمن الذي سندفعه نتيجة لذلك، ولكنهم اعتقدوا أن له ما يبرره في ضوء الأهمية الإستراتيجية للعلاقات مع الولايات المتحدة .
وفي أكتوبر 2014 جرى التصويت حول هذا الموضوع مرة أخرى، ومن جديد كانت الدولتان الوحيدتان اللتان عارضتا رفع الحظر هما الولايات المتحدة وإسرائيل. ولكن بعد شهرين فقط من هذا الموعد فاجأ أوباما العالم كله، عندما أعلن عن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع كوبا.
إعلان أوباما وضع إسرائيل أمام معضلة دبلوماسية وسياسية ليست بسيطة. فمن ناحية، هنأ العالم بأسره الولايات المتحدة على هذه الخطوة التاريخية، وكان من الطبيعي أن تنضم إسرائيل، حليفتها المقربة ،إلى المهنئين.
وقد تخوفوا في إسرائيل من أنه إذا رحبت إسرائيل بخطوة أوباما، في الوقت الذي وعد الجمهوريون ببذل كل جهد ممكن لإفشال ذلك، فإن ذلك الأمر سيخيب آمال أنصارها في الجانب الجمهوري، خصوصا في أوساط الجالية الكوبية. ونتيجة لذلك، لم تبد إسرائيل أي رأي علني فيما يتعلق بهذا الموضوع خلال الأسابيع التي تلت إعلان أوباما عن التغيير الجذري في العلاقات مع كوبا. وقال مسئول إسرائيلي كبير في ذلك الوقت أن هناك سببا آخر وراء الرد الإسرائيلي البارد وهو خيبة الأمل من أن إدارة أوباما لم تعط إسرائيل أي تحذير قبل تحولها تجاه كوبا، بالطريقة التي كانت ستسمح لإسرائيل بالاستعداد والتحضير مسبقا لهذه الخطوة.
على المدى الطويل، لن تكون المشكلة التي ستصعب على استئناف العلاقات بين كوبا وإسرائيل هي الجمهوريين في فلوريدا ، ولكن الخلاف بشأن الأراضي المحتلة سيكون المشكلة الأعظم إلى جانب وضع الفلسطينيين . فلكوبا علاقات جيدة جدا مع الدول العربية والفلسطينيين، وهي العلاقات الأهم بالنسبة لهم من التقارب مع إسرائيل.
ومن المؤكد أن هذا سيجعل الأمر صعبا. ولكن هذا لا يعني أنه لن يكون بالإمكان التغلب على هذه العقبة. والولايات المتحدة سيكون لها بعض التأثير في هذا الشأن . فنظرية كاسترو الإيديولوجية، التي تنتقد إسرائيل لكنها لا تنكر حقها في الوجود، تترك الباب مفتوحا أمام إمكانية استئناف العلاقات في المستقبل .
معلوم أن كوبا هي اليوم بلد مهم ومؤثر في أمريكا اللاتينية . فهل يمكن أن نرى في أعقاب التحرك الأمريكي تجاه كوبا تحسنا في العلاقات مع إسرائيل في المستقبل ؟ من الممكن أن يحدث ذلك، ولكن لا يزال من السابق لأوانه تأكيد ذلك .
عبد الحميد محمد