طارق فقيه

مابين ريو وحلب أولمبياد

من عاداتي السيئة التي لم أتخلص منها وهي كثيرة للأسف تولعي بمتابعة الأولمبياد كل أربع سنوات، فكنت أجد في المنافسات الرياضية متنفسًا لي عن مختلف الضغوطات، وكنت أراقب الرياضيين العرب والمسلمين وأتحمس لهم وأفرح بأي ميدالية يحققونها أيًّا كان سبكها. لكن في هذا العام ومع أولمبياد ريو البرازيلي فقدت كثيرًا من حماستي للمتابعة وانشغلت عنه بما يشبه الأولمبياد – مع اعتذاري لأرواح الشهداء الطاهرة في حلب ولأبطالها المجاهدين الذين كسروا شوكة الأعداء ومرغوا أنوفهم في التراب – انشغلت بأولمبياد آخر يقام في نفس التوقيت، ولكنه أكثر إثارة ودموية تُقام فعالياته في مدينة حلب الأبيّة السورية، وقد كان حسني البرزان يردد دائمًا في “صح النوم” عبارته المشهورة : “إذا أردنا أن نعرف ما في البرازيل علينا أن نعرف ما في إيطاليا” وهذا ما تحقق فعلًا بتغيير طفيف في المعادلة، فمعرفة ما يجري في البرازيل يتطلب معرفة ما يجري في حلب أولًا، وإن كان الرياضيون في ريو يتنافسون على حصد الذهب فالطغاة في حلب يتنافسون على حصد أرواح الأبرياء.

وإن كانت سماء ريو مضاءة بالألعاب النارية احتفالًا بالأولمبياد؛ فسماء حلب مضاءة ليلًا ونهارًا بالفوسفور وقنابل النابلم والقنابل العنقودية، وإن كانت المنشطات في ريو محرمة ففي حلب لا توجد أسلحة محرمة وجيوش العالم القذرة تستخدم جميع أنواع الأسلحة دون حسيب ولا رقيب.

إن معظم دول العالم تتواجد في البرازيل للتنافس الرياضي، وكذلك هم مرتزقة العالم متواجدون في سوريا من جميع دول العالم للتنافس الاستعماري وتحقيق مصالحهم، وإن كانت مشاركات العرب في ريو هامشية ومحدودة ولا قيمة كبيرة لانتصاراتهم، فهم كذلك أيضًا في بلاد الشام، ومشاركتهم رمزية ومواقفهم مذبذبة بين مؤيد للنظام وبين داعم على استحياء ووجل وبين من يمثل دور الميت أو المتفرج؛ وكأن ما يحدث في حلب لا يعنيه أو أنه يحدث خارج مجرته. في حين ترمي بقية الشعوب بثقلها في حلب؛ لكسر إرادة أهلها من العرب والمسلمين السنة أبناء عمومة المشغولين بمتابعة أولمبياد ريو البرازيلي.

أما عن البطولات والأرقام القياسية التي يبحثون عنها في ريو فمن حلب تستطيع أن تسجل أعظم البطولات لأبطال يواجهون دول عظمى وجيوش نظامية وأسلحة متطورة وطائرات وقاذفات بصدور عارية وبإطارات محروقة وبأسلحة تقليدية غالبًا ما يغنمونها من أعدائهم. فالمعجزات هنا أكثر والتحديات أخطر والتنافس بين الانغماسيين لا يتوقف. أما عن تحطيم الأرقام الذي تجري مسابقاته في البرازيل ففي حلب سنجد جميع أنواع التحطيم فهنا يمكن تحطيم طائرة روسية ويتحطم معها الغرور والصلف الروسي، وهنا يتحطم الظلم والطغيان الأسدي، وهنا تتحطم الأحلام الصفوية في إقامة الإمبراطورية المجوسية، وهنا أيضًا تتحطم منازل ومستشفيات فوق رؤوس قاطنيها الأبريا ، فلا شيء في حلب أكثر من الحطام. انشغلنا عن أولمبيادنا بأولمبياد الآخرين، ولم نكسب هناك ولكننا سنكسب هنا ولا بد أن نكسب؛ لأن تعويذتنا في حلب: “مالنا غيرك ياالله “.

طارق عبدالله فقيه

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رائع……ولكن في البرازيل العالم كله يفرح للفوز أما في حلب العالم كله يحزن على الموت والخراب….شتان بين هذا وذاك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى