إيوان مكة

تهميشات على معلّقة امريء القيس…

«قِفَا نَبْـكِ» مـن ذكـرى صريـعٍ مُجَنْـدَلِ
بسِقْـطِ الأسـى بيـن الهـوى والتَّـذَلُّـلِ

فَـدِجْـلَـةَ فـالماءِ الذي صار لـونُــه
كـلـونِ حـيـاضِ الـذَّبْــح يـومَ التَّحَلُّلِ

فـبـغـدادَ فـالأقـصى الجـريـحِ فصخـرةٍ
تـئـنُّ من الـبـاغـي أنيـنَ المـكـبَّلِ

فكشمـيـرَ فالأفـغـانِ صـــارتْ بـلادُهــم
من البؤسِ تغلي باللَّظى غَلْيَ مِرْجَلِ

فناحـيـةٍِ الشـيـشـان ِحـيْث تَـزَلْـزَلَـتْ
بيوتُ بـنـي الإسْلام شَرَّ الـتَّـزَلْـزُلِ

قـفـا نَـبْـكِ مــن أحــوال أمـتنا التي
نراهـا بجمـر البَغْي تُصْلَـى وتصطـلـي

تـرى قِطَـعَ الأشــلاء فــي «عَرَصاتِها»
تـعـبِّر فيـها عن يـتـيـمٍِ ومُـثْــكِلِ

فـكم واردٍِ فيـهـا عـلـى حــوض مـوته
وكم ذائـــقٍ فـيـها مرارةَ حَـنْـظَلِ

«وقوفاً بها صحبـي»، يقولـون: لا تَقِـفْ
حزيـنـاً، «ولا تَهْلَـكْ أســىً وتـجـمَّـلِ»

ألــم يُبـصـروا مثـلـي، تَـخــاذُلَ أمتي
«فهل عنـد رسـمٍ دارسٍِ مـن معـوَّلِ»؟

ألا يـا امْـرأَ القيـسِ الـذي فـاض دمـعُـه
ألست ترانـي، بَـلَّ دمعـيَ مِحْمَلـي؟!

وصَـفْــتَ لـنــا أمَّ الـحُـوَيْرِثِ عابـثاً
«وجـارتَها أمَ الــرَّبـــابِ بمَأْسَلِ»

وصـفْـتَ لـنـا مِـسْـكاً تَـضوَّع منهما
كما هَـبَّ نِسْـنَـاسُ الصَّـبـا بالقَرَنْـفَـلِ

نقلْتَ لـنـا أخــبــارَ خِدْرِ عُـنيزةٍ
وصَرْخَـتَـهـا بـالـويـلِ «إنَّـكَ مُـرْجِلي»

وفاطمَ إذْ نـاديــتَــها متوسِّلاً
«أَفـاطـمُ مـهـلاً بـعـضَ هــذا الـتَّـدَلُّـلِ»

نَحَرْتَ على شرع الهـوى ناقـةَ الهـوى
لَتَـغْـذوَ مَــنْ تـهـوى «بــدارَةِ جُـلْجُلِ»

«تـركــتَ الـعــذارى يرتـمينَ بلحمها
وشـحْـمٍ كَـهُـدَّابِ الدِّمَـقْـسِ المُفَتَّلِ»

لقـد كنـتَ ضِلَّـيـلاً تمـيـلُ مع الهوى
كمـا مـالَ فـي عصـري دُعــاةُ التحلُّلِ

فكنـتَ علـى مــا كُـنْتَ قُدْوَةَ مَاجـنٍ
خلـيعٍ صــريــعٍ لـلـتَّمـادي مـضلِّلِ

ألا يــا امْرَأَ القيس الذي ثــار قلـبُـه
لقتـل الأبِ المـنـكـوب أَسْـــوَأَ مَـقْـتَلِ

تـحـوَّلْتَ من خمْرٍ ولهوٍ وضَـيْـعَــةٍ
إلـــى حَـمَــلات الـثَّأْر أقوى تَحوُّلِ

تجـاوزْتَ حـدَّ العقلِ فـي الثَّأْر، مثلما
تـجـاوزْتَ في الأَهْواءِ حَـــدَّ التَّـعَـقُّـلِ

ألا لـيـتَ شـعـري، لــو رأيتَ تخاذُلاً
لأمتنا في حالِــهــا المُـتَـمَـلْـمِـلِ

فـيا ربَّما جرَّدْتَ سـيـفـكَ مُـقـبــلاً
«بـمنجـردٍ قــيـدِ الأَوابـدِ هـيكلِ»

تبـدَّلْـتَ فــي حالَـيْـكَ، والأمَّةُ التـي
تــعــوَّذَ مـنـهــا الـذُّلُّ لـم تتبدَّلِ

ألا يا امرأ القيـسِ الذي مــات نائـيـاً
تركـتُـكَ محـمـولاً عـلـى شــرِّ مَحْمَلِ

لـقـيــتَ جزاءَ الـمُـلْـتـجـي لعدوَّه
فـصـرت عـن المـجـد التَّليدِ بـمعزِلِ

أيـا حـامـلاً فــي الـنّار راية شعره
ويـا مـــن رآه الـلَّهوُ أكـبــرَ مُوغِلِ

هجـرتُك مُذْ لاحتْ لعيـنـيْ مليـحـةٌ
تـقـرِّب كـفَّـيْ مـن جَـنَـاهـا المعلَّلِ

لـهـا غُرَّةٌ يَسْتَـمْنِحُ الفجـرُ نورَها
وفــرعٌ «كَـقِـنْـوِ النَّـخـلـةِ المُتَـعَـثْكِلِ»

وفـي مقلتيهـا أَفْـرَغَ الحـسـنُ نفـسَـه
كناظـرتَـيْ ظبـيٍ «بوَجْرَةَ مُـطْـفِـلِ»

تـجـاوزتُ أســواراً من الـدَّهـر نحوها
فلله واحاتٌ تـجـلَّــتْ لـمُـجْـتَـلِي

ولله أمـجــــادٌ تراءَتْ لـنـاظـــرٍ
ولله حـــــــــقٌ لاح للمتأمِّلِ

سقانـي مــن الـمـاءِ المـبـارِكِ شَـرْبَـةً
وجــلَّلَ أحْلامـي بـثوبٍ مُــرَحَّـلِ

شريـعـتـنـا الــغــرَّاء أشْرق نورُهـا
بـآي من الـوحْي الكريـم الـمُـنَـزَّلِ

وصلْتُ إلـيهـا، والصَّـبـاحُ يـمُــدُّ لـي
يَـدَ النُّـور، عَنْهـا ظٌلْمَـةُ الليـل تَنجلـي

فـيـا ليتـنـي أَلْقيتُ رَحْليَ عندهـا
ولم أتـكلَّــفْ رحــلـــةَ الـمـترحِّلِ

فلما دَنا ركـبي إلــى عصـرنـا الــذي
بـدا مثـلَ «خَبْـتٍ ذي حِقَـافٍ عَقَنْقَـلِ»

تجوَّلْتُ حتـى قـال دربـي: إلـى متـى
وحـتـى رأيت البـيدَ مـلَّـتْ تـجـوُّلـي

وأَلْقَـيْتُ رَحْلـي عنـد واقع أمتي
أقــلِّـــب طـــــرفَ الـنــاظِـر المُتَأَوِّلِ

فلاحتْ لعينيْ صـورةُ القُـدسِ، وجهُهـا
كسِيْفٌ، وفي أعماقهـا الحـزنُ يغتلـي

تسوق جواداً يشتكي قَسْـوَةَ الحَفَـى
حــوافــرُه صارت كــأطَــرافِ مُنْخُـلِ

بطـيئاً ثقيـلاً واهـناً خائـفــاً معـا
كـجـثَّـةِ شـيــخٍ عـند حي مُــوَلْوِلِ

علـى الـذُّلِّ «جيَّاشـاً» كــأنَّ نَشيجه
توجُّـع شَعْـبٍ فـي فلسطـيـنَ مُهْـمَـلِ

حَرُوناً «إذا ما السابحاتُ على الوَنَى»
ركضْـنَ تَراخَـى مٌوغـلاً فــي التَّمَلْـمُـلِ

فلـيـس.. «كـخُـذروفِ الـوليد» وإنَّما
كجسـمٍ إلـى الإعياءِ شُدَّ «بِيَـذْبُـلِ»

لـه «أَيْطَـلا» بُــؤْسٍ «وسـاقَـا» تَخاذُلٍ
و«إبـطـاءُ» مكسورِ الجناحيْن أعــزَلِ

نحيلاً «إذا استدْبَرْتَه» بانَ مـا اختفـى
وأعـطاك سِــــرَّ الــواهــنِ الـمتهزِّلِ

جواداً هـزيلاً يــعرف الدربُ أنَّـه
يُـشَـدُّ إلــى البـاغـي بـحـبلٍ مُـوَصَّــلٍ

وأُمَّــةِ بـؤسٍ لايُصَانُ خبـاؤهــا
تـمـتَّـع مـنـهـا كـلُّ حـافٍ ومُـنْـعِلِ

تـجــاوزَ أحـراساً إليـهـا «ومعشـراً»
دُعــاةُ الـخَـنَـى من مـعـتـدٍٍ ومُطََبِّلِ

أتَـوْهَاَ «وقد نـضَّــتْ لنومٍ ثـيـابـهـا
لـــدى الـسِّـتْـرِ إلاَّ لِـبْـسَةَ المتـفضِّلِ

فكم صرخةٍ ماتـت علـى سمـع غافـلٍ
ومـا حرَّكـتْ إِحسـاسَ «قلـبٍ مُقَـتَّـلِ»

ومـا سمعَـتْ بعـد النـداءِ سوى الـذي
يُقَهْـقِـهُ مــن هــذا الـنــداءِ المُجَلْجِلِ

ومـا أبـصـرتْ إلاَّ بــريقَ دعـايـــةٍ
يضـلَّـلُـهـا عــن حـقَّــها المتأصِّلِ

ومـؤتـمــراتٍ أقـسمَ العـدلُ أَنَّهـا
تــســوَّغ لــلأقـوى طريقَ الـتَّـكَـتُّلِ

لها جَمَـلٌ يمشـي علـى ظَـهْر خُـفِّـه
يسـيـر بهـا سَـيْــرَ الـجـريـحِ المُـثَـقَّلِ

تقول وقد مــال «الغَبـيـطُ»، ببؤسـهـا
«عَقَرْتَ بعيري» يا هـوى القـوم فانـزلِ

«وليـلٍ كموج البحْر أرخــى سـدولَـه»

عليْهـا «بـأنــواع الـهـمـوم ليبتلي»

تساقـط فيـه النَّـجْـمُ مــن كل جانبٍ
تَـسَـاقُـطَ أطـفـالِ الـعراقِ الـمُزلْزَلِ

وعـفَّرَتِ الــغـــاراتُ طَـلْــعَةَ بَدْره
فشُـدَّتْ «بأمـراسٍ إلـى صُـمِّ جَنْدَلِ»

وصبَّـتْ علـى مــاء الـفـراتِ سمومَـهـا
فمن يرتشفْ من شاطئ النَّهْـر يُقْتَـلِ

ألا يـا امْـرأَ القيـسِ الـذي امتـدَّ شعره
إلـيَّ كمـا امتـدَّتْ غـصـونُ السَّفـرْجَـلِ

لشـعـركَ فــي روض القصائد رونـقٌ
وإنْ كنـتَ عـن إشـراق ديـنـي بمَـعْـزِلِ

لــقــد نـزل الــقرآن بعـدك رافــعاً
مكانـتَـنـا في كـلَّ نادٍ ومَـحْـفِــلِ

ولـكنَّـنا لـمـا تـــطـــاول عهدنا
سـحـبـنــا رداءَ الذُلِّ دون تمَـهُّلِ

وَكَلْـنَـا إلى الأغـمـادِ شَــأْنَ سيوفِـنـا
فمـا سُـلَّ سـيـفٌ في مـقـامٍِ مُبَـجَّلِ

سمعـتُـكَ نــاديتَ الــظــلامَ مردِّداً
«ألا أيَّـهـا اللـيـلُ الطـويـلُ أَلاَ انجلي»

ونـحْن نـنادي ليـلَنا كلَّـمـا سَــجَــا
ألا مــرحــبــاً بالغَـيْـهبِ المُتَهوِّلِ

يَـشُنُّ الأعادي غـــارةً إثَــــرَ غارةٍ
وأُمَّتُـنـا تُـسـقـى بـكــأسٍ «مُفَلْفَلِ»

تـهـاوَتْ فضائـيَّـاتُـهـا في مـجـونـهـا

تَـجُــرُّ إلى الإسْفافِ كلَّ مـغَـفَّلِ

تَــشُنُّ على أبـنـائنا وبـنـاتـنــا
مــعــاركَ أخــــلاقِ الرَّدَى والـتبذُّلِ

أَظـنُّـكَ لو أبصرتَها، قُـمْتَ مُغْمِـضـاً
جـفـونَـكَ مـــن إحـسـابـكَ المُتَخَجِّلِ

ولـسـتَ مـثـالاً يُـحْـتَـذَى، إِنَّـما دَعَا
لذكركَ، سُوءُ الــحــالِ للمُـتَـمَـثِّـلِ

ألا يـا امـرأ القيـس الـذي فـي قُروحِـه
تجـلَّى مثالُ الـغَـدْر فــي كلِّ مـنـزِلِ

كـسـاكَ رداءَ الـمـوتِ «قَيْـصَـرُ» خـادعـاً
فهل يُدرك الغافُونَ معنى التَّسلْسُلِ؟!

أقولُ، وفي قـلـبِ القصـيـدةِ حـسـرةٌ
«قِفَا نبـكِ» مـن ذكـرى صريـعٍ مُجَنْـدَلِ

شعر:عبدالرحمن العشماوي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى